الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن كان الجرح هاشمة أو مأمومة ، لم أقبل أقل من شاهدين : لأن الذي شج إن أراد أن آخذ له القصاص من موضحة فعلت : لأنها موضحة وزيادة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما دون الموضحة من شجاج الرأس فيقبل فيه - عمدا كان أو خطأ - شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين : لأنه لا قصاص في عمده ، وأما الموضحة فلا يقبل فيها [ ص: 74 ] - إذا كانت عمدا - إلا شاهدان : لأنها موجبة للقصاص . فإن قيل : إذا أقام في عمدها شاهدا وامرأتين ، أو شاهدا ويمينا ، هلا حكمتم له بالدية وأسقطتم القود ؟ كالسرقة إذا شهد بها شاهدان حكم فيها بالقطع والغرم ، وإن شهد بها شاهد وامرأتان أسقط القطع وحكم بالغرم . قيل : لا ، لفرق منع من الجمع بينهما ؛ وهو أن الغرم والقطع في السرقة حقان يجمع بينهما لاختلاف مستحقها ، وليس أحدهما بدلا من الآخر ، فجاز أن يفرد كل واحد منها بحكمه ، والقصاص والأرش في الموضحة حق وجب بسبب واحد لمستحق واحد ، أحدهما بدل من الآخر ، فشاركه في حكمه ، فلم يجز أن يثبت أحدهما مع انتفاء الآخر فافترقا .

                                                                                                                                            وأما ما فوق الموضحة من الهاشمة والمنقلة والمأمومة ، فقد جمعت هذه الشجاج بين ما فيه قصاص ، وهو الإيضاح ، وبين ما ليس فيه قصاص ، وهو الهشم والتنقيل ، ففيها للشافعي قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو المنصوص عليه في هذا الموضع ، أنه لا يقبل فيها إذا كانت عمدا إلا شاهدان : لأن فيها إيضاحا يستحق فيه القصاص لمن طلب .

                                                                                                                                            والقول الثاني : قاله في كتاب الشاهد واليمين ، أنه يقبل فيها شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين : لأنه لما قبل ذلك فيه إذا انفرد عن الإيضاح لم يمتنع قوله فيه إذا اقترن بالإيضاح ، وصار الإيضاح ملحقا به في سقوط القصاص : لمشاركته له .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية