الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فأما القتل المضمون فعمد وخطأ ، فالعمد يأتي في خلاف نذكره ، والخطأ متفق على وجوب الكفارة فيه بنص الكتاب وإجماع الأمة ، وسواء كان قتل الخطأ بمباشرة أو بسبب ، والمباشرة : أن يرمي هدفا فيصيب إنسانا فيقتله . والسبب : أن يحفر بئرا في أرض لا يملكها ، فيقع فيها إنسان فيموت ، أو يضع حجرا في طريق سائر ، فيعثر به إنسان فيموت ، أو يرش ماء في الطريق ، فيزلق به فيموت . إلى أمثال ذلك مما قدمنا ذكره في ضمان النفس التالفة ، فيجب فيه الدية والكفارة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : تجب في قتل المباشرة الدية مع الكفارة ، وتجب في قتل السبب الدية دون الكفارة : استدلالا بأن كل من ضمن نفسا عن غير مباشرة لم تجب عليه [ ص: 63 ] الكفارة كالعاقلة ، ولأن كل ما لم يجب في جنسه قود لم يجب في جنسه كفارة كالإمساك .

                                                                                                                                            ودليلنا : هو أنه قتل يضمن بالدية ، فوجب أن يضمن بالكفارة ، كالمباشرة . فإن منعوا أن يكون مقتولا ، احتج عليهم بوجوب الدية : لأنه لا يجوز أن يلزم دية النفس ، ولا يكون متلفا للنفس إذ لا يلزم دية إلا في قتل عن مقتول ، ولأنها كفارة تلزم بمباشرة القتل ، فوجب أن تلزم بسبب القتل كجزاء الصيد ، ولأن الكفارة أوكد من الدية ، فلما وجبت الدية كان أولى أن تجب الكفارة ، وأما قياسهم على العاقلة ، فالجواب عنه : أن العاقلة تلتزم الدية تحملا ونيابة ، والكفارة لا يدخلها التحمل ولا النيابة ؛ ولذلك تحملت العاقلة دية الخطأ ، ولم تتحمل كفارته وإن لزمته . وأما قياسهم على الإمساك ، فالمعنى فيه : أن الإمساك لما لم يوجب ضمان الدية لم يوجب ضمان الكفارة ، ولما أوجب السبب ضمان الدية أوجب ضمان الكفارة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية