الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أن نفرا يسيرا قليلي العدد ويعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريدوا ، فأظهروا آراءهم ونابذوا الإمام العادل وقالوا : نمتنع من الحكم فأصابوا أموالا ودماء وحددوا في هذه الحال متأولين ، ثم ظهر عليهم ، أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم الحقوق ، كما تؤخذ من غير المتأولين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا قل أهل البغي ولم ينفردوا بدار ، ونالتهم القدرة ، ولم يمنعوا عن أنفسهم بكثرة وقوة لم يؤثر ما تأولوه في سقوط الحقوق عنهم ، وإقامة الحدود عليهم . فقد كان عبد الرحمن بن ملجم من أسوأ البغاة معتقدا ، وأعظمهم إجراما ، قال - وعلي كرم الله وجهه يخطب على المنبر بالكوفة - : والله لأريحنهم منك . فأخذه الناس وحملوه إليه ، وقالوا : اقتله قبل أن يقتلك ، فقال : كيف أقتله قبل أن يقتلني ؟ وخلى سبيله ، فبات له في المسجد ، فخرج علي عليه السلام لصلاة الفجر مغلسا .

                                                                                                                                            وقيل : إنه أنشد بالاتفاق قول الشاعر : [ ص: 113 ]

                                                                                                                                            اشدد حيازيمك للموت فإن الموت آتيك     ولا تجزع من الموت
                                                                                                                                            إذا حل بواديك

                                                                                                                                            وأحرم بركعتي الفجر ، فأمسك ابن ملجم عنه في الركعة الأولى حتى قدر ركوعه وسجوده ، ورأى سجوده أطول من ركوعه ، وكذا السنة . فلما قام إلى الثانية ضربه في سجوده ضربة فلق بها هامته .

                                                                                                                                            فقال علي : فزت ورب الكعبة .

                                                                                                                                            وأخذ ابن ملجم فحمل إليه ، وقيل له : اقتله قبل أن يقتلك .

                                                                                                                                            فقال : كيف أقتله قبل أن يقتلني ؟ إن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت ، وإن شئت استقدت ، وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا ، وأن تعفوا أقرب للتقوى .

                                                                                                                                            وكان في شهر رمضان ، فلما جاء وقت الإفطار ، قال : أطعموه وأحسنوا إساره ، وكان أول من قدم إليه الطعام في داره ابن ملجم .

                                                                                                                                            فلما مات قتله الحسن بن علي قودا .

                                                                                                                                            قال الشافعي : وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أنكر قتله ولا عابه أحد .

                                                                                                                                            فدل على فرق ما بين الامتناع والقدرة .

                                                                                                                                            ولأن سقوط القود في الامتناع والكثرة إنما هو للحاجة إلى تألفهم في الرجوع إلى الطاعة ، والمنفرد مقهور لا يحتاج إلى تألفه ، فلذلك وقع الفرق بين الممتنع وغير الممتنع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية