الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            إذا قطع في سرقة مال ، ثم سرقه ثانية قطع ، وكذلك ثالثة ورابعة ، سواء كان من مال واحد أو جماعة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إذا قطع في مال لم يقطع فيه ثانية ، إلا أن يتغير عن حاله ، كالغزل إذا نسج ، والطعام إذا طحن ، احتجاجا بأن القطع يتعلق بعين وفعل ، فلما كان الفعل الواحد في عينين يوجب قطعا واحدا ، وجب أن يكون الفعلان في عين واحدة يوجب قطعا واحدا ، ولأن قطع السرقة في حراسة الأموال مقابل لحد القذف في صيانة الأعراض ، ثم لما لم يتكرر حد القذف في الرجل الواحد وجب أن لا يتكرر قطع السرقة في المال الواحد .

                                                                                                                                            وتحريره : أنه حد يقف استيفاؤه على مطالبة آدمي ، فوجب أن لا يتكرر في الشخص الواحد كالقذف .

                                                                                                                                            ودليلنا : مع عموم الكتاب والسنة : هو أنه فعل يوجب الحد فوجب أن يكون تكرره في العين الواحدة كتكرره في الأعيان المختلفة ، كالزنا يحد إذا تكرر في الواحد كما يحد إذا تكرر في الجماعة .

                                                                                                                                            فإن قيل : محل الحد في الزنا موجود ، فجاز أن يتكرر ، ومحل القطع مفقود ، فلم يتكرر .

                                                                                                                                            قيل : هذا تعليل يبطل في الزنا بحد القذف : لأن محله موجود ولا يتكرر ، ويبطل في السرقة بالقطع في الغزل إذا نسج ، فإن محله مفقود وقطعه يتكرر . [ ص: 331 ] ثم يقال : محل القطع في الثانية باق : لأن الأطراف الأربعة محل له ، فلم يسلم التعليل بما قدمناه ، ولا وضح الفرق بما بيناه .

                                                                                                                                            ولأن كل عين إذا سرقها غير سارقها قطع ، فوجب إذا سرقها أن يقطع ، كالغزل إذا نسج .

                                                                                                                                            فإن قيل : لأن الثوب المنسوج لا يسمى غزلا ، فجاز أن يقطع فيه ثانيا . انتقض على أصله بالجدي إذا قطع فيه ثم سرقه ، وقد صار تيسا ، لم يقطع عنده ، وإن لم يسم جديا .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلاله بأن الفعل كالعين مع انتقاضه بالغزل إذا نسج : فهو أن الفعل الواحد في العينين سرقة واحدة ، فلذلك قطع فيها قطعا واحدا ، والفعلان في العين الواحدة سرقتان ، فلذلك قطع فيها قطعان ، ويدل عليها الأيمان .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسه على القذف مع انتقاضه بالغزل إذا نسج : فهو أن حده في القذف قد أثبت كذبه ، فلم يحد في الثاني مع ثبوت كذبه . كما لو قال لصغيرين لا يجامع مثلهما : قد زنيتما . لم يحد لهما ، وليس كذلك قطع السرقة : لأنه موضوع لصيانة المال وحراسته ، فكان معنى القطع في الأول موجودا في السرقة الثانية ، فقطع فيها ثانية ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية