الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال أبي ذر رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              روى أحمد بن منيع وابن حبان ، والنسائي في الكبرى وابن ماجه مختصرا عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يا أبا ذر ، كيف تصنع ، إن أخرجت من المدينة ؟ » قال :

                                                                                                                                                                                                                              للسعة والدعة إلى مكة فأكون حمامة من حمام مكة ، قال : «فكيف تصنع إذا أخرجت من مكة ؟ » قال : للسعة والدعة ، إلى الشام والأرض المقدسة ، قال : «فكيف تصنع إذا أخرجت من الشام ؟ » قال : قلت : والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأقاتل حتى أموت قال : «أو خير من ذلك ؟ تسمع وتطيع وإن كان عبدا حبشيا»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عنه قال : بينا أنا نائم في المسجد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني برجله وقال : «ألا أراك نائما فيه ؟ » قلت : يا نبي الله ، غلبتني عيني . قال : «كيف تصنع إذا أخرجت منه» ، قال : آتي الشام والأرض المقدسة . قال : «فكيف تصنع إذا أخرجت منه» قال : ما أصنع يا نبي الله أضرب بسيفي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك» قال أبو ذر : والله ، لألقين الله ، وأنا سامع مطيع لعثمان .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وإسحاق عن القرظي رحمه الله تعالى قال : خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الربذة فأصابه قدره ، فأوصاهم أن غسلوني وكفنوني ، ثم ضعوني على قارعة الطريق ، فأول ركب يمرون بكم فقولوا : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على غسله ودفنه ففعلوا ، فأقبل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ركب من العراق ، وقد وضعت الجنازة على قارعة الطريق ،

                                                                                                                                                                                                                              فقام عليه غلام ، فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فبكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «تمشي وحدك ، وتموت وحدك وتبعث وحدك»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن مجاهد عن إبراهيم يعني ابن الأشتر عن أبيه قال : إن أبا ذر حضره الموت ، وهو بالربذة ، فبكت امرأته ، قال : ما يبكيك ؟ قالت : وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسع لك كفنا فقال : لا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض فيشهده عصابة من المؤمنين» ،

                                                                                                                                                                                                                              فكل من كان معي (في المجلس ) مات في جماعة وقرية فلم يبق منهم غيري ، وقد [ ص: 103 ] أصبحت بفلاة أموت فراقبي الطريق ، فإنك سوف ترين ما أقول ، فإني والله ما كذبت ، ولا كذبت ، قالت : أنى وقد انقطع الحاج ، قال : راقبي الطريق ، قال : فبينا هي كذلك ، إذا هي بقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم على رحالهم ، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها ، فقالوا : مالك ؟

                                                                                                                                                                                                                              قالت : امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه قالوا : ومن هو ؟ قالت : أبو ذر ، فغدوه بإبلهم ووضعوا السياط في نحورها يبتدرونه ، قال : أبشروا ، فأنتم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ما قال : ثم أصبحت اليوم حيث ترون ، ولو أن لي ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه ، فأنشدكم الله لا يكفنني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا ، فكل القوم قد نال من ذلك إلا فتى من الأنصار ، وكان مع القوم ، قال : أنا أكفنك في ردائي هذا الذي علي وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي ، قال : أنت فكفني .


                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا ذر ، إني أراك منفيا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود والطيالسي وابن أبي شيبة ومسلم وابن سعد وابن خزيمة وأبو عوانة والحاكم عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا ذر ، إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية