الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب التاسع عشر في بعض آيات وقعت لخبيب بن عدي

                                                                                                                                                                                                                              عن عمر بن أسيد بن جارية الثقفي ، حليف بني زهرة ، وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري ، جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهمدة ، بين عسفان ومكة ، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان ، فنفروا إليهم بقريب من مائة رجل رام ، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه ، قالوا : نوى تمر يثرب ، فاتبعوا آثارهم ، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى قردد ، فأحاط بهم القوم فقالوا : انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا ، فقال عاصم بن ثابت أمير القوم : أما أنا فو الله لا أنزل في ذمة كافر ، اللهم أخبر عنا نبيك ، فرموهم بالنبل ، فقتلوا عاصما في سبعة ، ونزل إليهم نفر على العهد والميثاق ، فيهم : خبيب الأنصاري ، وزيد بن الدثنة ، ورجل آخر ، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها ، فقال الرجل الثالث : هذا أول الغدر ، والله لا أصحبكم ، إن لي بهؤلاء لأسوة ، يريد القتلى ، فجرروه وعالجوه ، فأبى أن يصحبهم فقتلوه ، وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر ، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف : خبيبا ، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر ، فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا قتله ، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد به . [ ص: 247 ]

                                                                                                                                                                                                                              للقتل ، فأعارته إياها ، فدرج بني لها ، قالت : وأنا غافلة ، حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ، قالت : ففزعت فزعة عرفها خبيب ، فقال : أتحسبين أني أقتله ؟ ما كنت لأفعل ذلك ، فقالت : والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب ، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده ، وإنه لموثق في الحديد ، وما بمكة من تمرة ، وكانت تقول : إنه لرزق رزقه الله خبيبا ، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل ، قال لهم خبيب : دعوني أركع ركعتين ، فتركوه فركع ركعتين ، ثم قال : والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع من الموت لزدت ، اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا :


                                                                                                                                                                                                                              فلست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي     وذلك في ذات الإله وإن يشأ
                                                                                                                                                                                                                              يبارك على أوصال شلو ممزع

                                                                                                                                                                                                                              ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله . وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة ، واستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين أصيبوا خبرهم ، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف ، وكان قتل رجلا عظيما منهم يوم بدر ، فبعث الله إلى عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم ، فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئا .


                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية