الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              العاشرة بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه نصر بالرعب مسيرة شهر أمامه وشهر خلفه .

                                                                                                                                                                                                                              الحادية عشر بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وفواتحه وخواتمه .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر» الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أيضا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال : نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوه مسيرة شهرين .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أيضا عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بسند حسن عن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دفعت إليه قال : «أما إني سألت الله أن يعينني بالسنة تخيفكم ، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم» قال : فقال بيديه جميعا : أما إني قد خلقت هذا ، وهكذا ألا أومن بك ، ولا أتبعك ، فما زالت السنة تخيفني وما زال الرعب يجعل في قلبي ، حتى قمت بين يديك [ ص: 316 ] [أفبالله الذي أرسلك ، أهو أرسلك بما تقول ؟ قال : «نعم » الحديث . وروى النسائي نحوه مختصرا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار برجال الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أتت الصباء الشمال ليلة الأحزاب ، فقالت : مري حتى تنصري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال : إن الحرة لا تسري بالليل . . وتقدم الحديث في غزوة الخندق .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : «مسيرة شهر» مفهومه أنه لا يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها ، أما ما دونها فلا ، لكن في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن الإمام أحمد : «ونصرت على العدو بالرعب ، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر»

                                                                                                                                                                                                                              فالظاهر اختصاصه بها مطلقا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة في مسنده ، وأبو يعلى عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعطيت فواتح الكلم ، وجوامعه وخواتمه» .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : وإنما جعل الغاية شهرا؛ لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال تلميذه الخضري : وهذا فيه نظر ، بل دعوته بلغت أطراف البلاد البعيدة مما مسيرته أكثر من شهر ، وكل من لم يجبه إلى الإسلام ، فهو عدوه ، اللهم إلا أن تحمل العداوة على من راسله واستمر على المخالفة والمنابذة . قلت : الظاهر أن مراد الحافظ بالعداوة هنا من تصدى لقتال ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              وهذه الخصوصية حاصلة له صلى الله عليه وسلم على الإطلاق ، حتى لو كان وحده بغير عسكر ، ويرحم الله البوصيري حيث قال :


                                                                                                                                                                                                                              كأنه وهو فرد من جلالته في عسكر حين تلقاه وفي حشم

                                                                                                                                                                                                                              تنبيه :

                                                                                                                                                                                                                              في حديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما : مسيرة شهر ، وفي حديث لابن عباس : مسيرة شهرين ، والرواية الأولى مقدمة على الثانية بالصحة . قلت : لا مخالفة بينهما .

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن شهاب الزهري : بلغني أن [إيتاءه صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم] أن جوامع الكلم أن يجمع الله تعالى له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ، وقال الهروي : هي القرآن ، جمع الله فيه الألفاظ الشهيرة من المعاني الكثيرة ، وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني ، ومن تأمل الأحاديث الصحيحة ظهر له ذلك ، وقد ذكرت شيئا من ذلك في باب فصاحته صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الإمام القاضي أبو بكر محمد بن أبي الوليد أحمد بن عيسى بن حجاج الأشبيلي [ ص: 317 ] قاضي مراكش رحمه الله تعالى

                                                                                                                                                                                                                              قوله صلى الله عليه وسلم : «بين يدي»

                                                                                                                                                                                                                              يشعر أنه يريد إذا شرعت في حركة لعدو يقدمني الرعب إليهم ، وبيني وبينهم مسيرة شهر ، ولا شك أن كل متوجه لقتال قوم لا بد من وقوع خوف منه لأول سماعهم ، بتوجهه إليهم على مسيرة شهر ، أو على أكثر ، أو على أقل ، هذا الذي خص به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي يظهر والله تعالى أعلم أن الرعب اللاحق للمقصود على مراتب : رعب يلحق على البعد ، ورعب يلحق على القرب [ . . . . ] . ثم قال :

                                                                                                                                                                                                                              إن الرعب الذي يلحق بالمشاهدة يلحق من توجهه صلى الله عليه وسلم على مسيرة شهر ، ومن هنا يعرف حكمة التخصيص بشهر ، وذلك أن سليمان صلى الله عليه وسلم سخر له الجن والريح تجري به من غدوته وروحته مسيرة شهر ، فكان إذا توجه نحو عدو كانت مرحلته إليه مسيرة شهر لغيره ، فكان رعب المشاهدة يأتي منه على مسيرة شهر لقطعه إياه في الرحلة الواحدة ، فأعطي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رعب المشاهدة على مقدار تلك المسافة ، وإن لم يكن يلحق إياه بعد قطعها ، والله تعالى أعلم . انتهى كلامه ، وظاهر حديث السائب رضي الله عنه أن العدو الواحد لا يكون في جهتين بعيدتين ، وإنما يكون في إحدى الجهات ، إما أمامه أو خلفه فهو يرعب ولو لم يقابله ، فأطلق الشهر باعتبار إحدى الجهتين ، وكذا لو كانا عدوين في جهتين أمامه وخلفه؛ فالشهر نهاية مسافة الخوف ، ولم أر من نبه على هذا ، وهو بديع ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية عشر بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه نصر بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وكانت عذابا على من قبله ، كما رواه الإمام الشافعي .

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أنس وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة عشر بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي مفاتيح خزائن الأرض على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس . عد هذه ابن عبد السلام رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع عشر بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              وبهبوط إسرافيل عليه ولم يهبط على أحد قبله . عد هذه ابن منيع رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض ، فوضعت بين يدي»

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو هريرة : فقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها . [ ص: 318 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن حبان عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبلق ، جاء به جبريل عليه قطيفة من سندس» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فقال : «يا جبريل ، ما أمسى لآل محمد سفة من دقيق ولا كفة من سويق» ، فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هذه من السماء ، فأتاه إسرافيل فقال : إن الله سمع ما ذكرت فبعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض ، وأمرني أن أعرض عليك أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا وذهبا وفضة ، فعلت : فإن شئت نبيا ملكا ، وإن شئت نبيا عبدا ، فأومأ إليه جبريل أن تواضع ، فقال : «بل نبيا عبدا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لقد هبط علي ملك من السماء ما هبط على نبي قبلي ، ولا يهبط على أحد بعدي وهو إسرافيل ، فقال : أنا رسول ربك إليك ، أمرني أن أخيرك ، إن شئت نبيا عبدا ، وإن شئت نبيا ملكا ، فنظرت إلى جبريل ، فأومأ إلي أن تواضع ، فلو أني قلت : نبيا ملكا لسارت الجبال معي ذهبا» .

                                                                                                                                                                                                                              وسبقت أحاديث من هذا النمط في باب زهده صلى الله عليه وسلم . وقال الإمام الخطابي : المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما ، ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة ، وقيل : يحمل على ما سواهم من ذلك . قلت : وهو أظهر ، والأحاديث تشعر به وقيل : المراد بمفاتيح خزائن الأرض بلادها التي ستفتح له ولأمته ويصل إليها دينه وشرعه ، فصار حكمه فيها كحكم الملك على ما تحت يده يتصرف فيها بأمر ربه تبارك وتعالى كيف أمره ، وقيل : أراد الله تعالى تنبيهه على ذلك وإعلامه بأن دينه سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وكذلك وقع ، ولله الحمد على ذلك ، وهذا معنى بديع يتعين اعتقاده ، وتكون الخصوصية له صلى الله عليه وسلم ، وهي أن بلاده التي تدخل في طاعته ، وتصير تحت حكمه تسلم مفاتيحها في يده عطية من الله تبارك وتعالى؛ ولذلك أخبر أمته صلى الله عليه وسلم بفتح كثير من البلاد كما تقدم في المعجزات .

                                                                                                                                                                                                                              الخامسة عشر بعد المائة :

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه صلى الله عليه وسلم جمع له بين النبوة والسلطان .

                                                                                                                                                                                                                              عد هذه الغزالي رحمه الله تعالى ونصه لأجل اجتماع النبوة والملك والسلطنة لنبينا صلى الله عليه وسلم كان أفضل من سائر الأنبياء ، فإنه أكمل الله به صلاح الدين والدنيا ولم يكن السيف والملك لغيره من الأنبياء .

                                                                                                                                                                                                                              روى البيهقي عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق ، وأخرجني مخرج صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا [الإسراء 80] قال :

                                                                                                                                                                                                                              أخرجه من مكة مخرج صدق وأدخله المدينة مدخل صدق ، قال : وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا طاقة [ ص: 319 ] له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله ، فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده ، لولا ذلك لأغار بعضهم على بعض ، وأكل شديدهم ضعيفهم ، قلت : وقد يشكل على كلام الغزالي .

                                                                                                                                                                                                                              السادسة عشر بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي علم كل شيء إلا الخمس .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والطبراني بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس : إن الله عنده علم الساعة [لقمان 34] الآية .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن ابن مسعود قال : أوتي نبيكم مفاتيح كل شيء غير الخمس ، إن الله عنده علم الساعة الآية . وروى الإمام أحمد وسعيد بن منصور والبخاري في الأدب عن ربعي بن حراش قال : حدثني رجل من بني عامر أنه قال : يا رسول الله ، هل بقي من العلم شيء لا تعلمه ؟ قال : «لقد علمني خيرا ، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله تعالى : الخمس : إن الله عنده علم الساعة الآية .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الفريابي والشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : لا يعلم في غد إلا الله ، ولا متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا ما في الأرحام إلا الله ، ولا متى ينزل الغيث إلا الله ، وما تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ، وما تدري نفس ماذا تكسب إلا الله» .

                                                                                                                                                                                                                              السابعة عشر بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه أوتي علم الخمس وأمر بكتمها ، قاله بعضهم ، قلت : والأحاديث السابقة تبين أن ذلك خلاف الصواب؛ ولذلك سقتها .

                                                                                                                                                                                                                              الثامنة عشر بعد المائدة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على الروح فيما قاله بعضهم .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية