الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السابع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام

                                                                                                                                                                                                                              أوتي النجاة من النار ، وقد خمدت نار فارس لنبينا صلى الله عليه وسلم . روى أبو نعيم عن عباد بن عبد الصمد قال : أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه قال : يا جارية ، هلمي المائدة نتغدى ، فأتت بها ثم قال : هلمي المنديل فأتت بمنديل وسخ ، فقال : اسجري التنور ، فأوقدته ، فأمر بالمنديل فطرح فيه ، فخرج أبيض كأنه اللبن ، فقلنا : ما هذا ؟ قال : هذا منديل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح به وجهه ، فإذا اتسخ صنعنا به هكذا؛ لأن النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الأنبياء ، وألقي غير واحد من أمته في النار ، فلم تؤثر فيه ، منهم : ذؤيب بن كليب بن ربيعة الخولاني ، وروى ابن وهب عن ابن لهيعة أن الأسود العنسي لما ادعى النبوة ، وغلب على صنعاء أخذ ذؤيب بن كليب فألقاه في النار لتصديقه بالنبي صلى الله عليه وسلم فلم تضره النار ، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فقال عمر : الحمد لله الذي جعل في أمتنا مثل إبراهيم الخليل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود تنبأ فبعث إلى أبي مسلم الخولاني ، فأتاه فقال : أتشهد أني رسول الله ؟ قال : ما أسمع ، قال : تشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، فأتى بنار عظيمة ، ثم ألقى أبا مسلم فيها فلم تضره ، فقيل للأسود : إن لم تنف هذا عنك فسد عليك من اتبعك ، فأمره بالرحيل ، فقدم المدينة وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر ، فقال أبو بكر : الحمد لله الذي ألبثني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صنع بإبراهيم خليل الرحمن ، ومنهم عمار بن ياسر .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سعد : حدثنا يحيى بن حماد أنبأنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال : أحرق [ ص: 267 ] المشركون عمار بن ياسر بالنار ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به ويمر يده على رأسه فيقول : «يا نار كوني بردا وسلاما على عمار ، كما كنت على إبراهيم ، تقتلك الفئة الباغية» .

                                                                                                                                                                                                                              وأوتي الخلة

                                                                                                                                                                                                                              فقد أخرج ابن ماجه وأبو نعيم رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة تجاهين والعباس بيننا ، مؤمن بين خليلين» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو نعيم عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل وفاته بخمس : «إن الله اتخذ صاحبكم خليلا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطيالسي ، وابن أبي شيبة ، وابن منيع برجال ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم خليلا ، وإن صاحبكم خليل ، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم أكرم الخلائق على الله ، ثم قرأ : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء 79] زاد ابن منيع : وإن محمدا سيد ولد آدم وسيد الناس يوم القيامة ، قال أبو نعيم : وقد حجب إبراهيم عن نمرود بحجب ثلاث ، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم حجب عن من أراد قتله ، وقد تقدم ذلك في الباب ، وقد ناظر إبراهيم نمرودا فبهته بالبرهان والحجة كما قال تعالى : فبهت الذي كفر [البقرة 258] وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أتى أبي بن خلف يكذب بالبعث بعظم بال ففركه ، قال : من يحيي العظام وهي رميم ؟ فأنزل الله تعالى : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة [يس 79] وهذا البرهان القاطع ، وقد كسر إبراهيم أصنام قومه غضبا لله ، ونبينا صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصنام قومه وهي ثلاثمائة وستون صنما فتساقطت ، كما تقدم في فتح مكة ، قال الشيخ رضي الله عنه : ومما أوتيه إبراهيم كلام الأكبش ، روى ابن أبي حاتم عن علباء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان البيت فقال : ما لكما ولأرضي ؟ ! فقالا : نحن عبدان مأموران ، أمرنا ببناء هذه الكعبة قال : فهاتا البينة على ما تدعيان ، فقام خمسة أكبش فقلن : نحن نشهد أن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عدة من الحيوانات ومن معجزاته ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال :

                                                                                                                                                                                                                              انطلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام يمتار فلم يقدر على الطعام ، فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله ، فقالوا : ما هذا ؟ قال : حنطة حمراء ، فوجدوها حنطة حمراء ، فكان إذا زرع منها شيء خرج سنبلها من أصلها إلى فرعها حبا متراكما ، وقد تقدم في النوع الأول من الباب نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم في السقاء الذي زوده لأصحابه وملأه ماء ، ففتحوه فإذا لبن وزبد ، وقال إبراهيم : والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين [الشعراء 82] قال الله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                              ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [الفتح 2] وقال إبراهيم : ولا تخزني يوم يبعثون [الشعراء 87] وقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه [التحريم 8] [ ص: 268 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقال إبراهيم حين ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل ، وقال الله لمحمد : يا أيها النبي حسبك الله [الأنفال 64] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : ووجدك ضالا فهدى [الضحى 7] وقال إبراهيم : واجعل لي لسان صدق في الآخرين [الشعراء 84] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : ورفعنا لك ذكرك [الشرح 4] وقال إبراهيم : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [إبراهيم 35] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [الأحزاب 33] وقال إبراهيم : واجعلني من ورثة جنة النعيم [الشعراء 85] وقال الله لمحمد : إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر 1] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية