الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السابع فيما اختص به-صلى الله عليه وسلم- عن أمته من المباحات والتخفيفات وفيه نوعان : اعلم أن التحقيقات توسعة عليه -صلى الله عليه وسلم- تنبيها على أن ما خص به -صلى الله عليه وسلم- من الإباحة لا يلهيه عن طاعة الله ، وإن ألهى غيره ، ومعظم ذلك لم يفعله مع إباحته ، وليس المراد بالمباح هنا مستوى الطرفين ، بل المراد به ما لا حرج في فعله ولا في تركه ، فإنه -صلى الله عليه وسلم- واصل وقد قال الإمام : إنه قربة في حقه -صلى الله عليه وسلم- ، وكذا صفي المغنم والاستبداد بالخمس فقد يكون راجح الفعل كصرفه في أهم المصالح . وقد يكون راجح الترك لفقد هذا المعنى ودخوله مكة بغير إحرام كما تقدم ، وقد يترجح تركه ، وكذا الزيادة على الأربع لا تساوي فيها ، فإن أفعاله وأقواله كلها راجحة مثاب عليها ، حتى في أكله وشربه ، لأن الواحد منا يثاب بشرط أن يقصد وجه الله بذلك ، وهو بذلك أولى -صلى الله عليه وسلم- ، وفي هذا الفعل نوعان : النوع الأول فيما يتعلق بغير النكاح وفيه مسائل : الأولى : اختص -صلى الله عليه وسلم- بالمكث في المسجد جنبا .

                                                                                                                                                                                                                              عن خارجة بن سعد عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك " .

                                                                                                                                                                                                                              قاله ابن القاص في التلخيص : وتوزع في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              قال النووي . وقد يحتج له بما رواه الترمذي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك" . قال الترمذي : حسن غريب قال النووي : لكن قد يقدح قادح في الحديث بسبب عطية ، فإنه ضعيف عند جمهور المحدثين ، لكن الترمذي قد حسنه ، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه كما تقرر لأهل هذا الفن فظهر ترجيح قول صاحب التلخيص . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء ، وكل جنب من الرجال إلا محمدا وأهل بيته عليا ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري في تاريخه ، والبيهقي عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ، إلا لمحمد وآل محمد" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول . [ ص: 424 ]

                                                                                                                                                                                                                              الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي : "إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي"
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن أبي حازم الأشجعي- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هو وهارون ، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وعلي وأبناء علي" .

                                                                                                                                                                                                                              فهذه الأحاديث تشهد لتحسين الترمذي ، وفي عد هذه الخصائص نظر ، لأن عليا يشاركه في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية : وبأنه لا ينتقض وضوءه بالنوم مضطجعا .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : قلت : يا رسول الله ، تنام قبل أن توتر ؟ فقال : "يا عائشة ، إن عيني تنامان ولا ينام قلبي" .

                                                                                                                                                                                                                              ورويا في حديث الإسراء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمر : هذا من علياء مراتب الأنبياء صلى الله عليهم وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              كما روي : "إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا" ولذا قال ابن عباس : رؤيا الأنبياء وحي ، لأن الأنبياء يفارقون سائر البشر في نوم القلب ويساووهم في نوم العين ، فلو سلط النوم على قلوبهم كما يصنع بغيرهم ، لم تكن رؤياهم إلا كرؤيا من سواهم .

                                                                                                                                                                                                                              ومن هذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام حتى ينفخ ثم يصلي ولا يتوضأ ، لأن الوضوء إنما يجب لغلبة النوم على القلب لا على العين ، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يساوي أمته في الوضوء من الحدث ، ولا يساويهم في الوضوء من النوم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسدد وابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "تنام عيني ولا ينام قلبي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو ساجد ، فما يعرف نومه إلا بنفخه ، ثم يقوم فيمضي في صلاته .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه أبو يعلى بلفظ : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام مستلقيا حتى ينفخ ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق عن أبي قلابة- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "قيل لي : لتنم عينك ، وليعقل قلبك ، ولتسمع أذنك ، فنامت عيني ، وعقل قلبي ، وسمعت أذني" . [ ص: 425 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية