الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب العاشر في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الجنون

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو نعيم عن الوازع أنه انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن له مجنون ، فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعقل منه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني سلمة ، فوجدني لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ فرش منه علي فأفقت .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارمي والطبراني عن ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها ، فقالت : يا رسول الله ، إن بابني هذا جنونا ، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له ، فثغ ثغة فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي بسند جيد عن محمد بن سيرين مرسلا أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : هذا ابني ، وقد أتى عليه كذا وكذا ، وهو كما ترى ، فادع الله تعالى أن [ ص: 27 ] يميته ، قال : «أدعو الله تعالى أن يشفيه ويشب ويكون رجلا صالحا فيقاتل في سبيل الله ، فيقتل فيدخل الجنة» ، فدعا الله تعالى فشفاه الله تعالى ، وشب وكان رجلا صالحا فقاتل في سبيل الله فقتل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار بسند حسن عن الوازع أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه :

                                                                                                                                                                                                                              فقال الوازع : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي جئت بابن أخ لي مصابا لتدعو الله تعالى له وهو في الركاب قال : «فائت به» ، فأتيته فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينظر نظر المجنون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اجعل ظهره من قبلي» ، فأقمته فجعلت ظهره من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه من قبلي ، فأخذه ثم جره بجامع ثيابه ، فرفع يده حتى رأيت بياض إبطه ، ثم ضرب بيديه ظهره ، وقال : «اخرج عدو الله» ، فالتفت ، وهو ينظر نظر الصحيح ، فأقعده بين يديه ، ودعا له ومسح وجهه ، وقال : فلم تزل تلك المسحة في وجهه ، وهو شيخ كبير ، وكان وجهه وجها عذرا شبابا وما كان في القوم رجل يفضل عليه بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الإمام أحمد والطبراني بلفظ : قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركب ومعنا رجل مصاب ، فقلت : يا رسول الله ، إن معي رجلا مصابا ، فادع الله له ، فقال : «ائتني به» ، فأتيته به ، فأخذ طائفة من ردائه فرفعها حتى رأيت بياض إبطه ، ثم ضرب ظهره وقال : «اخرج عدو الله» ، فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول ، ثم أقعده بين يديه فدعا له ومسح وجهه ، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم عن أبي بن كعب ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال : يا نبي الله ، إن لي أخا أصابه وجع ، قال : «وما وجعه ؟ » قال : به لمم . قال : «فأتني به» فأتاه به فوضعه بين يديه [فعوذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب ، وأربع آيات من آخر سورة البقرة وهاتين الآيتين : وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم [البقرة 163] ، وآية الكرسي وآية من آل عمران : شهد الله أنه لا إله إلا هو [آل عمران 18] وآية من الأعراف : إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض [الأعراف 54] وآخر سورة المؤمنين : فتعالى الله الملك الحق [المؤمنون 116] ، وآية من سورة الجن : وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا [الجن 3] ، وعشر آيات من أول الصافات وثلاث آيات من آخر سورة الحشر و قل هو الله أحد والمعوذتين فقام الرجل كأنه لم يشك شيئا قط] . وروى أبو نعيم وابن عساكر عن غيلان بن سلمة الثقفي ، قال : خرجنا مع [ ص: 28 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا ، فأقبلت امرأة بابن لها ، فقالت : يا نبي الله ما كان في الحي غلام أحب إلي من ابني هذا ، فأصابته الموتة ، فأنا أتمنى موته ، فادع الله له ، فأدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام منه ، ثم قال : «باسم الله ، أنا رسول الله ، اخرج عدو الله» ، ثلاثا ، ثم قال : «اذهبي بابنك لن تري بأسا إن شاء الله» ، ثم رجعنا ، فجاءت أم الغلام ، فقالت : والذي بعثك بالحق ما زال من أعقل غلمان الحي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أحمد بن منيع عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا به جنون ، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا قال : فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثغ ثغة فخرج من فيه . وفي لفظ : من منخره مثل الجرو الأسود فشفي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبو نعيم عن أم جندب قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من جمرة العقبة جاءته امرأة ومعها ابن لها به مس قالت : يا نبي الله ، هذا به بلاء لا يتكلم ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بتور من حجارة فيه ماء فأخذه فمج فيه ، ودعا فيه وأعاده فيه ثم أمرها ، فقال : «اسقيه واغسليه فيه» قال : فتبعتها ، فقلت : صبي لي من هذا الماء ، قالت : خذي منه ، فأخذت منه جفنة فسقيته ابني عبد الله فعاش فكان من بره ما شاء الله أن يكون ، ولقيت المرأة فزعمت أن ابنها برئ وعقل عقلا ليس كعقول الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى إسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم معها صبي تحمله ، فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اخسأ عدو الله أنا رسول الله» ثلاثا ثم ناولها إياه فلما رجعنا عرضت لنا المرأة كبشان تقودهما ، والصبي تحمله فقالت : يا رسول الله ، اقبل مني هذين ، فو الذي بعثك بالحق ، ما عاد إليه بعد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خذوا أحدهما» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن سعد والحاكم وصححه عن يعلى بن مرة قال : سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فرأيت منه شيئا عجبا فذكر الحديث ، وفيه : فأتته امرأة فقالت : يا نبي الله إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه في كل يوم مرتين فقال : «أدنيه» ، فتفل في فيه وقال : «اخرج عدو الله ، أنا رسول الله» ، ثم قال لها : «إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع» فلما [ ص: 29 ] رجعنا استقبلتنا ، فقالت : والذي أكرمك ما رأينا به شيئا منذ فارقتنا .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه إبراهيم الحربي بلفظ ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فتلقته امرأة ، معها صبي قد عرض به جنون ففتح فاه ، فبزق فيه فبرأ .

                                                                                                                                                                                                                              وعن طاوس مرسلا قال : لم يؤت النبي صلى الله عليه وسلم بأحد به مس ، فصك في صدره إلا ذهب .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الحافظ إبراهيم الحربي في غريبه وقال : المس : الجنون .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى وأبو نعيم بسند جيد عن أسامة بن زيد قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجة التي حجها حتى إذا كان ببطن الروحاء نظر إلى امرأة تؤمه ، فحبس راحلته فلما دنت منه ، قالت : يا رسول الله ، هذا ابني ما أفاق من يوم ولادته إلى يومي هذا ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه فيما بين صدره وواسطة الرحل ثم تفل فيه وقال : «اخرج يا عدو الله» ، فأتى رسول الله ثم ناولها إياه ، وقال : «خذيه ، فلا بأس به» ، قال أسامة : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته وانصرف حتى إذا نزل ببطن الروحاء ، أتت تلك المرأة بشاة ، قد شوتها فقالت : أنا أم الصبي ، قال : «وكيف هو ؟ » قالت : ما رأيت منه شيئا بعد ، قال : «خذ منها الشاة» .

                                                                                                                                                                                                                              والأحاديث في ذلك كثيرة وفيما ذكر كفاية .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية