الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              السابعة والثمانون : وبأن أمته خير الأمم ، قال الله سبحانه وتعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس [آل عمران 110] . [ ص: 356 ]

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجه ، والحاكم ، عن معاوية بن صيدة -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الآية : "إنكم تتمون سبعين أمة ، أنتم خيرها ، وأكرمها على الله" .

                                                                                                                                                                                                                              الثامنة والثمانون : وبأنها مثل المطر ، لا يدرى أوله خير أم آخره .

                                                                                                                                                                                                                              قال التوربشتي : لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول على الآخر ، فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون من غير شبهة ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، وإنما المراد بهم نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال البيضاوي : نفى تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية ، وأراد به نفي التفاوت كما قال تعالى : [ قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض [يونس 18] أي بما ليس فيهن كأنه قال لو كان لعلم لأنه أمر لا يخفى ولكن لا يعلم] لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية ، وفضيلة توجب خيريتها كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشو ، والنماء ، لا يمكنك إنكارها ، والحكم بعدم نفعها ، فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات ، وتلقوا دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالإجابة والإيمان ، والآخرين آمنوا بالغيب ، لما تواتر عندهم من الآيات ، واتبعوا من قبلهم بالإحسان ، وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد ، فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد ، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد ، فكل ذنبهم مغفور ، وسعيهم مشكور ، وأجرهم موفور .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الطيبي : وتمثيل الأمة بالمطر ، إنما يكون بالهدى والعلم كما أن تمثيله -صلى الله عليه وسلم- الغيث بالهدى والعلم فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر ، بالعلماء الكاملين منهم المكملين لغيرهم فيستدعي هذا التفسير أن يراد بالخير النفع ، فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية ، ولو ذهب إلى الخيرية ، فالمراد وصف الأمة قاطبة ، سابقها ولاحقها ، وأولها وآخرها ، [بالخير وأنها ملتحمة بعضها مع بعض مرصوصة بالبنيان] كالحلقة المفرغة ، لا يدرى أين طرفاها وفي أسلوب هذا الكلام قول الأنمارية : هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها تريد المكملة ، ويلمح إلى هذا المعنى قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                              إن الخيار من القبائل واحد وبنو حنيفة كلهم أخيار

                                                                                                                                                                                                                              فالحاصل أن الأمة بأسرها مرتبطة بعضها مع بعض في الخيرية ، بحيث أبهم أمرها فيها وارتفع التمييز بينها ، وإن كان بعضها أفضل من بعض في نفس الأمر ، وهو قريب من باب سوق المعلوم مساق غيره ، وفي معناه أنشد مروان بن أبي حفصة :


                                                                                                                                                                                                                              تشابه يوماه علينا فأشكلا     فما نحن ندري أي يوميه أفضل
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 357 ] يوما بداء العمر أم يوم يأسه     وما منهما إلا أغر محجل

                                                                                                                                                                                                                              ومن المعلوم علما جليا أن يوم بداءة العمر أفضل من يوم يأسه ، لكن البدء لما لم يكن يكمل ويستتب إلا باليأس ، أشكل عليه الأمر ، فقال ما قال ، وكذلك أمر المطر والأمة ، انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              التاسعة والثمانون : وبأنها آخر الأمم ، ففضحت الأمم عندهم ، ولم يفضحوا .

                                                                                                                                                                                                                              التسعون : وبأن الله تعالى اشتق لهم اسمان من أسمائه .

                                                                                                                                                                                                                              الحادية والتسعون : وبأنه تعالى سمى دينه الإسلام ، ولم يوصف بهذا الوصف إلا الأنبياء ، قال سبحانه وتعالى : هو سماكم المسلمين من قبل [الحج 78] .

                                                                                                                                                                                                                              روى إسحاق بن راهويه ، وابن أبي شيبة في المصنف ، عن مكحول قال : كان لعمر على رجل من اليهود حق ، فأتاه يطلبه ، فقال عمر : لا والذي اصطفى محمدا على البشر لا أفارقك فقال اليهودي : والله ما اصطفى الله محمدا على البشر ، فلطمه عمر فأتى اليهودي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال : "أما أنت يا عمر ، فأرضه من لطمته ، بل يا يهودي ، آدم صفي الله ، وإبراهيم خليل الله ، وموسى نجي الله ، وعيسى روح الله ، وأنا حبيب الله ، بل يا يهودي تسمى الله باسمين ، سمى بهما أمتي ، هو السلام ، وسمى بها أمتي المسلمين ، وهو المؤمن ، وسمى بها أمتي المؤمنين ، بل يا يهودي ، طلبتم يوما دخر لنا اليوم ، ولكم غد ، وبعد غد للنصارى ، بل يا يهودي ، أنتم الأولون ، ونحن السابقون يوم القيامة ، بل إن الجنة محرمة على الأنبياء حتى أدخلها وهي محرمة على الأمم حتى تدخلها أمتي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن عبد الله بن زيد الأنصاري -رضي الله عنه- قال : تسموا بأسمائكم التي سماكم الله تعالى بها بالحنفية ، والإسلام ، والإيمان . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية