الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فصل

في مبايعته

روى الشيخان: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطب الناس مرجعه من الحج، فقال في خطبته:

(قد بلغني أن فلانا منكم يقول: لو مات عمر... بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة [وتمت]، ألا وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها، وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر ، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة، وتخلف الأنصار عنا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت له: يا أبا بكر ، انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان، فذكرا لنا الذي صنع القوم، قالا: أين تريدون، يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا من الأنصار، فقال: لا عليكم ألا تقربوهم، واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين؟ فقلت: والله لنأتينهم.

فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت: [ ص: 151 ] ما له؟ قالوا: وجع، فلما جلسنا.. قام خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، وقال:

أما بعد: فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت دافة منكم منكم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويحضنونا من الأمر.

فلما سكت... أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر ، وقد كنت أداري منه بعض الحد، وهو كان أحلم مني وأوقر، فقال أبو بكر : على رسلك، فكرهت أن أغضبه، وكان أعلم مني، والله، ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري... إلا قالها في بديهته مثلها وأفضل منها حتى سكت، فقال:

أما بعد، فما ذكرتم فيكم من خير... فأنتم أهله، ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح [وهو جالس بيننا] فلم أكره مما قال غيرها، وكان والله، أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم.. أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر .

فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى خشيت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، أما والله، ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أوفق من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم، ولم تكن بيعة.. أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد).

وأخرج النسائي، وأبو يعلى، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: (لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم... قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن [ ص: 152 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ ! فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر ).

التالي السابق


الخدمات العلمية