الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[كتاب نقفور والرد عليه ]

وفي سنة سبع وثمانين أتاه كتاب من ملك الروم : نقفور ، بنقض الهدنة التي كانت عقدت بين المسلمين وبين الملكة ريني ملكة الروم .

وصورة الكتاب : (من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب ، أما بعد : [ ص: 462 ] فإن الملكة التي كانت قبلي كانت أقامتك مقام الرخ ، وأقامت نفسها مقام البيذق ، فحملت إليك من أموالها أحمالا ، وذلك لضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي . . فاردد ما حصل قبلك من أموالها ، وإلا . . . فالسيف بيننا وبينك ) .

فلما قرأ الرشيد الكتاب . . استشاط غضبا حتى لم يتمكن أحد أن ينظر إلى وجهه دون أن يخاطبه ، وتفرق جلساؤه من الخوف ، واستعجم الرأي على الوزير ، فدعا الرشيد بدواة وكتب على ظهر كتابه :

( بسم الله الرحمن الرحيم )

من هارون أمير المؤمنين ، إلى نقفور كلب الروم ، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة ، والجواب ما تراه لا ما تسمعه .

ثم سار ليومه ، فلم يزل حتى نازل مدينة هرقل ، وكانت غزوة مشهورة وفتحا مبينا ، فطلب النقفور الموادعة ، والتزم بخراج يحمله كل سنة ، فأجيب ، فلما رجع الرشيد إلى الرقة . . . نقض الكلب العهد; لإياسه من كرة الرشيد في البرد ، فلم يجسر أحد أن يبلغ الرشيد نقضه ، بل قال عبد الله بن يوسف التيمي :


نقض الذي أعطيته نقفور فعليه دائرة البوار تدور     أبشر أمير المؤمنين فإنه
غنم أتاك به الإله كبير

وقال أبو العتاهية أبياتا ، وعرضت على الرشيد ، فقال : أو قد فعلها ؟ ! فكر راجعا في مشقة شديدة حتى أناخ بفنائه ، فلم يبرح حتى بلغ مراده ، وحاز جهاده .

وفي ذلك يقول أبو العتاهية :


ألا بادت هرقلة بالخراب     من الملك الموفق للصواب
غدا هارون يرعد بالمنايا     ويبرق بالمذكرة القضاب
ورايات يحل النصر فيها     تمر كأنها قطع السحاب

[ ص: 463 ] وفي سنة تسع وثمانين : فادى الروم حتى لم يبق بممالكهم في الأسر مسلم .

وفي سنة تسعين : فتح هرقلة ، وبث جيوشه بأرض الروم ، فافتتح شراحيل بن معن بن زائدة حصن الصقالبة ، وافتتح يزيد بن مخلد ملقونية ، وسار حميد بن معيوف إلى قبرس فهدم وحرق وسبى من أهلها ستة عشر ألفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية