الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 295 ] [تآمر ثلاثة من الخوارج على أمراء المسلمين]

وانتدب ثلاثة نفر من الخوارج: عبد الرحمن بن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاصي، ويريحوا العباد منهم، فقال ابن ملجم: أنا لكم بعلي، وقال البرك: أنا لكم بمعاوية، وقال عمرو بن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا على ذلك، واتعدوا ليلة سبع عشرة من رمضان.

ثم توجه كل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، فقدم ابن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريدون إلى ليلة الجمعة، سابع عشر رمضان، سنة أربعين، فاستيقظ علي سحرا فقال لابنه الحسن: (رأيت الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ؛ ما لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال لي: «ادع الله عليهم»، فقلت: اللهم؛ أبدلني بهم خيرا لي منهم، وأبدلهم بي شرا لهم مني).

ودخل ابن النباح المؤذن على ذلك فقال: الصلاة، فخرج علي من الباب ينادي: (أيها الناس؛ الصلاة الصلاة)، فاعترضه ابن ملجم، فضربه بالسيف، فأصاب جبهته إلى قرنه، ووصل إلى دماغه، فشد عليه الناس من كل جانب، فأمسك وأوثق.

وأقام علي الجمعة والسبت، وتوفي ليلة الأحد، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وصلى عليه الحسن، ودفن بدار الإمارة بالكوفة ليلا، ثم قطعت أطراف ابن ملجم، وجعل في قوصرة، وأحرقوه بالنار.

هذا كله كلام ابن سعد، وقد أحسن في تلخيصه هذه الوقائع، ولم يوسع فيها الكلام كما صنع غيره؛ لأن هذا هو اللائق بهذا المقام، قال [ ص: 296 ] صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر أصحابي.. فأمسكوا». وقال: «بحسب أصحابي القتل».

وفي «المستدرك» عن السدي قال: كان عبد الرحمن بن ملجم المرادي عشق امرأة من الخوارج يقال لها: قطام، فنكحها، وأصدقها ثلاثة آلاف درهم، وقتل علي، وفي ذلك قال الفرزدق:


فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر قطامبين غير معجم     ثلاثة آلاف وعبد وقينة
وضرب علي بالحسام المصمم     فلا مهر أغلى من علي وإن علا
ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

قال أبو بكر بن عياش: (عمي قبر علي؛ لئلا تنبشه الخوارج).

وقال شريك: (نقله الحسن ابنه إلى المدينة).

وقال المبرد: عن محمد بن حبيب: (أول من حول من قبر إلى قبر: علي رضي الله عنه).

وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز، قال: (لما قتل علي بن أبي طالب.. حملوه ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هم في مسيرهم ليلا... إذ ند الجمل الذي هو عليه، فلم يدر أين ذهب؟ ولم يقدر عليه، قال: فلذلك يقول أهل العراق: هو في السحاب).

وقال غيره: (إن البعير وقع في بلاد طيء، فأخذوه فدفنوه).

[ ص: 297 ] وكان لعلي حين قتل ثلاث وستون سنة، وقيل: أربع وستون، وقيل: خمس وستون، وقيل: سبع وخمسون، وقيل: ثمان وخمسون، وكان له تسع عشرة سرية.

التالي السابق


الخدمات العلمية