الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 485 ] [خلافة المأمون ] [198 - 218 هـ ]

عبد الله أبو العباس بن الرشيد ، ولد سنة سبعين ومائة ، في ليلة الجمعة ، منتصف ربيع الأول; وهي الليلة التي مات فيها الهادي واستخلف أبوه وأمه أم ولد اسمها مراجل ، ماتت في نفاسها به ، وقرأ العلم في صغره .

وسمع الحديث من أبيه ، وهشيم ، وعباد بن العوام ، ويوسف بن عطية ، وأبي معاوية الضرير ، وإسماعيل بن علية ، وحجاج الأعور ، وطبقتهم .

وأدبه اليزيدي ، وجمع له الفقهاء من الآفاق ، وبرع في الفقه ، والعربية ، وأيام الناس ولما كبر . . . عني بالفلسفة وعلوم الأوائل ومهر فيها; فجره ذلك إلى القول بخلق القرآن .

روى عنه : ولده الفضل ، ويحيى بن أكثم ، وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي ، والأمير عبد الله بن طاهر ، وأحمد بن الحارث الشيعي ، ودعبل الخزاعي ، وآخرون .

وكان من رجال بني العباس حزما وعزما ، وحلما وعلما ، ورأيا ودهاء ، وهيبة وشجاعة ، وسؤددا وسماحة ، وله محاسن وسيرة طويلة لولا ما أتاه من محنة الناس في القول بخلق القرآن ، ولم يل الخلافة من بني العباس أعلم منه ، وكان فصيحا مفوها .

وكان يقول : (معاوية بعمره ، وعبد الملك بحجاجه ، وأنا بنفسي ) .

[ ص: 486 ] وكان يقال : (لبني العباس : فاتحة ، وواسطة ، وخاتمة ، فالفاتحة : السفاح ، والواسطة : المأمون ، والخاتمة : المعتضد ) .

وقيل : (إنه ختم في بعض الرمضانات ثلاثا وثلاثين ختمة ) .

وكان معروفا بالتشيع ، وقد حمله ذلك على خلع أخيه المؤتمن ، والعهد بالخلافة إلى علي الرضا كما سنذكره .

قال أبو معشر المنجم : (كان المأمون أمارا بالعدل ، فقيه النفس ، يعد من كبار العلماء ) .

وعن الرشيد قال : (إني لأعرف في عبد الله : حزم المنصور ، ونسك المهدي ، وعزة الهادي ، ولو أشاء أن أنسبه إلى الرابع - يعني نفسه - لنسبته ، وقد قدمت محمدا عليه وإني لأعلم أنه منقاد إلى هواه ، مبذر لما حوته يده ، يشاركه في رأيه الإماء والنساء ، ولولا أم جعفر وميل بني هاشم إليه . . . لقدمت عبد الله عليه ) .

استقل المأمون بالأمر بعد قتل أخيه : سنة ثمان وتسعين وهو بخراسان ، واكتنى بأبي جعفر .

قال الصولي : (وكانوا يحبون هذه الكنية; لأنها كنية المنصور ، وكان لها في نفوسهم جلالة وتفاؤل بطول عمر من كني بها; كالمنصور والرشيد ) .

ففي هذه السنة . . . .

التالي السابق


الخدمات العلمية