الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[سمر الأمين وشربه وتطيره وموته ]

قال محمد بن راشد : (أخبرني إبراهيم بن المهدي : أنه كان مع الأمين بمدينة المنصور ، قال : فطلبني ليلة فأتيت ، فقال : ما ترى طيب هذه الليلة وحسن القمر وضوءه في الماء ، فهل لك في الشراب ؟ فقلت : شأنك ، فشربنا ، ثم دعا بجارية اسمها ضعف ، فتطيرت من اسمها ، فأمرها أن تغني ، فغنت بشعر النابغة الجعدي .


كليب لعمري كان أكثر ناصرا وأيسر ذنبا منك ضرج بالدم

فتطير بذلك ، وقال : غني غير هذا ، فغنت :


أبكي فراقهم عني فأرقها     إن التفرق للأحباب بكاء
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم     حتى تفانوا وريب الدهر عداء
فاليوم أبكيهم جهدي وأندبهم     حتى أؤوب وما في مقلتي ماء

فقال لها : لعنك الله ، أما تعرفين غير هذا ؟ ! فقالت : ظننت أنك تحب هذا ، ثم غنت :


أما ورب السكون والحرك     إن المنايا كثيرة الشرك
ما اختلف الليل والنهار ولا     دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل السلطان عن ملك     قد زال سلطانه إلى ملك
وملك ذي العرش دائم أبدا     ليس بفان ولا بمشترك

[ ص: 477 ] فقال لها : قومي لعنك الله ، فقامت فعثرت في قدح بلور له قيمة فكسرته ، فقال : ويحك يا إبراهيم ! ! أما ترى ؟ ! والله; ما أظن أمري إلا قرب ، فقلت : بل يطيل الله عمرك ، ويعز ملكك ، فسمعت صوتا من دجلة : { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } فوثب محمد مغتما ، وقتل بعد ليلة أو ليلتين ، أخذ وحبس في موضع ، ثم أدخل عليه قوم من العجم ليلا فضربوه بالسيف ، ثم ذبحوه من قفاه ، وذهبوا برأسه إلى طاهر ، فنصبها على حائط بستان ، ونودي : هذا رأس المخلوع محمد ، وجرت جثته بحبل ، ثم بعث طاهر بالرأس والبرد والقضيب والمصلى - وهو من سعف مبطن - إلى المأمون ) .

واشتد على المأمون قتل أخيه ، وكان يحب أن يرسل إليه حيا; ليرى فيه رأيه ، فحقد ذلك على طاهر بن الحسين ، وأهمله نسيا منسيا إلى أن مات طريدا بعيدا .

وصدق قول الأمين; فإنه كان كتب بخطه رقعة إلى طاهر بن الحسين لما انتدب لحربه فيها : (يا طاهر; ما قام لنا منذ قمنا قائم بحقنا فكان جزاؤه عندنا إلا السيف ، فانظر لنفسك أو دع ) يلوح بأبي مسلم وأمثاله الذين بذلوا نفوسهم في النصح لهم فكان مآلهم إلى القتل منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية