الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[هلاك تسعة ملوك على نسق]

وفي سنة سبع وثمانين: مات السلطان فخر الدولة، وأقيم ابنه رستم مقامه في السلطنة بالري وأعمالها وهو ابن أربع سنين، ولقبه القادر: مجد الدولة.

قال الذهبي : ومن الأعجوبات: هلاك تسعة ملوك على نسق في سنتي سبع وثمانين وثمان وثمانين: منصور بن نوح ملك ما وراء النهر، وفخر الدولة ملك الري والجبال، والعزيز العبيدي صاحب مصر، وفيهم يقول أبو منصور عبد الملك الثعالبي :


ألم تر مذ عامين أملاك عصرنا يصيح بهم للموت والقتل صائح     فنوح بن منصور طوته يد الردى
على حسرات ضمنتها الجوانح [ ص: 636 ]     ويا بؤس منصور وفي يوم سرخس
تمزق عنه ملكه وهو طائح     وفرق عنه الشمل بالسمل واغتدى
أميرا ضريرا تعتريه الجوائح     وصاحب مصر قد مضى لسبيله
ووالي الجبال غيبته الضرائح     وصاحب جرجانية في ندامة
ترصده طرف من الحين طامح     خوارزم شاه شاه وجه نعيمه
وعن له يوم من النحس طالح     وكان علا في الأرض يخبطها أبو
علي إلى أن طوحته الطوائح     وصاحب بست ذلك الضيغم الذي
براثنه للمشرقين مفاتح     أناخ به من صدمة الدهر كلكل
فلم تغن عنه والمقدر سانح     جيوش إذا أربت على عدد الحصى
تغص بها قيعانها والضحاضح     ودارت على صمصام دولة بويه
دوائر سوء سلبهن فوادح     وقد جاز والي الجوزجان قناطر الـ
ـحياة فوافته المنايا الطوامح

وذكر الذهبي : (أن العزيز صاحب مصر مات سنة ست وثمانين، وفتحت له -زيادة على آبائه- حمص وحماة وحلب، وخطب له بالموصل وباليمن، وضرب اسمه فيها على السكة والأعلام).

وقام بالأمر بعده ابنه منصور، ولقب: الحاكم بأمر الله .

وفي سنة تسعين: ظهر بسجستان معدن ذهب، فكانوا يصفون من التراب الذهب الأحمر.

وفي سنة ثلاث وتسعين: أمر نائب دمشق الأسود الحاكمي بمغربي، فطيف به على حمار، ونودي عليه: هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر، ثم ضربت عنقه -رحمه الله- ولا رحم قاتله، ولا أستاذه الحاكم.

[ ص: 637 ] وفي سنة أربع وتسعين: قلد بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى الموسوي قضاء القضاة والحج والمظالم ونقابة الطالبيين، وكتب له من شيراز العهد، فلم ينظر في القضاء; لامتناع القادر من الإذن له.

وفي سنة خمس وتسعين: قتل الحاكم بمصر جماعة من الأعيان صبرا، وأمر بكتب سب الصحابة على أبواب المساجد والشوارع، وأمر العمال بالسب.

وفيها: أمر بقتل الكلاب، وبطل الفقاع والملوخيا، ونهى عن السمك الذي لا قشر له، وقتل جماعة ممن باع ذلك بعد نهيه.

وفي سنة ست وتسعين: أمر الناس بمصر والحرمين إذا ذكر الحاكم... أن يقوموا ويسجدوا في السوق وفي مواضع الاجتماع.

وفي سنة ثمان وتسعين: وقعت فتنة بين الشيعة وأهل السنة في بغداد، وكاد الشيخ أبو حامد الإسفراييني يقتل فيها، وصاح الرافضة ببغداد : يا حاكم يا منصور، فأحفظ القادر من ذلك، وأنفذ الفرسان الذين على بابه لمعاونة أهل السنة، فانكسر الروافض.

وفيها: هدم الحاكم بيعة قمامة التي بالقدس، وهدم جميع الكنائس التي بمصر، وأمر النصارى بأن تعمل في أعناقهم الصلبان، طول الصليب ذراع، [ ص: 638 ] ووزنه خمسة أرطال بالمصري، واليهود أن يحملوا في أعناقهم قرامي الخشب في زنة الصلبان، وأن يلبسوا العمائم السود، فأسلم طائفة منهم، ثم بعد ذلك أذن في إعادة البيع والكنائس، وأذن لمن أسلم أن يعود إلى دينه; لكونه مكرها.

وفي سنة تسع وتسعين: عزل أبو عمرو قاضي البصرة، وولي القضاء أبو الحسن بن أبي الشوارب، فقال العصفري الشاعر:


عندي حديث طريف     بمثله يتغنى
من قاضيين: يعزى     هذا، وهذا يهنى
فذا يقول: جبرنا     وذا يقول: استرحنا
ويكذبان جميعا     ومن يصدق منا

وفيها: وهى سلطان بني أمية بالأندلس، وانخرم نظامهم.

وفي سنة أربعمائة: نقصت دجلة نقصانا لم يعهد، وأكريت لأجل جزائر ظهرت، ولم يكن قبل ذلك قط.

وفي سنة اثنتين: نهى الحاكم عن بيع الرطب وحرقه، وعن بيع العنب، وأباد كثيرا من الكروم.

[ ص: 639 ] وفي سنة أربع: منع النساء من الخروج إلى الطرقات ليلا ونهارا، واستمر ذلك إلى أن مات.

وفي سنة إحدى عشرة: قتل الحاكم -لعنه الله- بحلوان -قرية بمصر- وقام بعده ابنه علي، ولقب: بالظاهر لإعزاز دين الله، وتضعضعت دولتهم في أيامه، فخرجت عنهم حلب وأكثر الشام .

وفي سنة اثنتين وعشرين: توفي القادر بالله ليلة الاثنين، الحادي عشر من ذي الحجة، عن سبع وثمانين سنة، ومدة خلافته: إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر.

التالي السابق


الخدمات العلمية