الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[خلع ابن طولون للموفق من ولاية العهد ]

ثم أدخل المعتمد واسط ، ولما بلغ ابن طولون ذلك . . . جمع القضاة والأعيان ، وقال : (قد نكث الموفق بأمير المؤمنين ، فاخلعوه من العهد ) ، فخلعوه إلا القاضي بكار بن قتيبة فإنه قال : (أنت أوردت علي كتابا من المعتمد كتابا بولايته العهد ، فأورد علي كتابا آخر منه بخلعه .

فقال : إنه محجور عليه ومقهور ، فقال : لا أدري .

فقال ابن طولون : غرك الناس بقولهم : ما في الدنيا مثل بكار ؟ ! أنت شيخ قد خرفت ) ، وحبسه وقيده ، وأخذ منه جميع عطائه من سنين ، فكان عشرة آلاف دينار ، فقيل : (إنها وجدت في بيت بكار بختمها ، وبلغ الموفق ذلك ، فأمر بلعنة ابن طولون على المنابر ) .

[ ص: 568 ] ثم في شعبان من سنة سبعين : أعيد المعتمد إلى سامراء ، ودخل بغداد ، ومحمد بن طاهر بين يديه بالحربة والجيش في خدمته ، كأنه لم يحجر عليه .

ومات ابن طولون في هذه السنة ، فولى الموفق ابنه أبا العباس أعماله ، وجهزه إلى مصر في جنود العراق ، وكان خمارويه بن أحمد بن طولون أقام على ولايات أبيه بعده ، فوقع بينه وبين أبي العباس بن الموفق وقعة عظيمة ، بحيث جرت الأرض من الدماء ، وكان النصر للمصريين .

وفي هذه السنة : انبثق ببغداد في نهر عيسى بثق ، فجاء الماء إلى الكرخ فهدم سبعة آلاف دار .

وفيها : نازلت الروم طرسوس في مائة ألف ، فكانت النصرة للمسلمين ، وغنموا ما لا يحصى ، وكان فتحا عظيما عديم المثل .

وفيها : ظهرت دعوة المهدي عبد الله بن عبيد جد بني عبيد خلفاء المصريين الروافض باليمن ، وأقام على ذلك إلى سنة ثمان وسبعين ، فحج تلك السنة واجتمع بقبيلة من كتامة ، فأعجبهم حاله ، فصحبهم إلى مصر ، ورأى منهم طاعة وقوة فصحبهم إلى المغرب ، فكان ذلك أول شأن المهدي .

وفي سنة إحدى وسبعين : قال الصولي : (ولي هارون بن إبراهيم الهاشمي الحسبة ، فأمر أهل بغداد أن يتعاملوا بالفلوس ، فتعاملوا بها على كره ثم تركوها ) .

[ ص: 569 ] وفي سنة ثمان وسبعين : غار نيل مصر فلم يبق منه شيء ، وغلت الأسعار .

وفيها : مات الموفق واستراح منه المعتمد .

وفيها : ظهرت القرامطة بالكوفة; وهم نوع من الملاحدة ، يدعون أنه لا غسل من الجنابة ، وأن الخمر حلال ، وأن الصوم في السنة يومان : يوم النيروز ويوم المهرجان ، ويزيدون في أذانهم : وأن محمد ابن الحنفية رسول الله ، وأن الحج والقبلة إلى بيت المقدس ، وأشياء أخر ، ونفق قولهم على الجهال وأهل البر ، وتعب الناس بهم .

وفي سنة تسع وسبعين : ضعف أمر المعتمد جدا; لتمكن أبي العباس بن الموفق من الأمور وطاعة الجيش له ، فجلس المعتمد مجلسا عاما أشهد فيه على نفسه أنه خلع ولده المفوض من ولاية العهد ، وبايع لأبي العباس ، ولقبه المعتضد .

وأمر المعتضد في هذه السنة : ألا يقعد في الطريق منجم ، ولا قصاص ، واستحلف الوراقين لا يبيعوا كتب الفلاسفة والجدل .

ومات المعتمد بعد أشهر من السنة فجأة; فقيل : إنه سم ، وقيل : بل نام فغم في بساط; وذلك ليلة الاثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب ، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ، إلا أنه كان مقهورا مع أخيه الموفق; لاستيلائه على الأمور ، ومات وهو كالمحجور عليه من بعض الوجوه من جهة المعتضد أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية