الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الثاني: حكم الوصية للوالدين، والأقربين غير الوارثين

        تستحب الوصية للوالدين والأقربين غير الوارثين بشيء من المال، لكن اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في وجوب الوصية للوالدين والأقربين غير الوارثين بشيء من المال على جهة البر والإحسان على قولين :

        القول الأول: عدم وجوب الوصية لهم مطلقا.

        وهو قول جمهور أهل العلم، منهم الأئمة الأربعة، وحكي الإجماع عليه.

        القول الثاني: وجوب الوصية للوالدين، والأقربين الذين لا يرثون.

        نسبه البيهقي للشافعي في القديم، وبه قال طاوس ، والحسن ، وابن جرير ، وهو قول الظاهرية .

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (عدم الوجوب:

        1 - قوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين

        [ ص: 119 ] وجه الدلالة: أن لفظ "المعروف"، ولفظ "المتقين" يدلان على الندب لا الوجوب.

        ونوقش هذا الاستدلال: بمنع دلالة الآية على ذلك، ولفظ "المعروف" ليس معناه الإحسان حتى يدل على الندب، وينافي الوجوب، بل معناه العدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير، وهو بهذا التفسير لا يناقض الوجوب بل يؤكده، كما قال تعالى: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف كما أن لفظ "المتقين" لا يدل على نفيها عن غيرهم، حتى يقال: تخصيصهم بها دليل على عدم وجوبها؛ وذلك لما يلي:

        الأول: أن لفظ "المتقين" لا يدل على نفيها عن غيرهم إلا بطريق مفهوم المخالفة، وهو مختلف في حجيته.

        الثاني: أن لفظ المتقين ذكر لتهييج المخاطبين، وحثهم على امتثال الأمر بإشعارهم أن الوصية شعار المتقين، فلا يكون لهذا القيد مفهوم مخالفة; لأنه لم يؤت به للتقييد، نظير قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فالتقوى فريضة على كل مؤمن، وعلى كل مسلم أن يكون متقيا، وبذلك يدخل في عموم الآية، فلا تبقى خاصة بصنف من الناس، حتى يكون ذلك دليلا على عدم وجوبها; بحجة أن الفرائض يستوي فيها جميع المكلفين.

        2 - ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" .

        [ ص: 120 ] وجه الدلالة من وجهين:

        الأول: أنه صلى الله عليه وسلم جعل الوصية موكولة إلى إرادة الموصي؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "له شيء يريد أن يوصي فيه" ، فلو كانت الوصية واجبة لما علقها على إرادة الموصي، ولكانت واجبة، أرادها أو لم يردها، كسائر الفرائض من صلاة، وصيام وغيرهما، فإنها واجبة، أراد ذلك المكلف أو لم يرد.

        الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم جعلها حقا للموصي: "ما حق امرئ مسلم" ولم يجعلها حقا عليه.

        ونوقش هذا الاستدلال: أنه يروى بلفظ: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه" ، كما يروى بزيادة: "له شيء يريد أن يوصي فيه" والروايتان صحيحتان، يجب العمل بكل منهما، فتجب الوصية بمقتضى الرواية الأولى; لأنها مطلقة، ويجب عليه أن يريد الوصية بمقتضى الرواية الثانية المقيدة" له شيء يريد أن يوصي فيه".

        3 - حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم" .

        وجه الدلالة: أن الله جعلها صدقة على المسلمين، وحقا لهم، بقوله: "تصدق عليكم" ولو كانت واجبة لقال: إن الله فرض عليكم، ونحو ذلك، فلما قال: تصدق عليكم، والصدقة لا يجب قبولها علم أنها غير واجبة:

        (27) كما روى مسلم من طريق ابن جريج ، عن ابن أبي عمار ، عن عبد الله بن بابيه ، عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب : فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقد أمن الناس، [ ص: 121 ] فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته" .

        والقصر غير واجب، فكذلك الوصية، بجامع أن كلا منها صدقة تصدق الله بها، ينبغي قبولها، ولا يجب.

        (28) 4 - ما رواه أبو داود من طريق ابن أبي فديك ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن شرحبيل ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير له من أن يتصدق بمائة درهم عند موته" .

        وجه الدلالة من وجهين:

        الأول: أنه سماها صدقة، والأصل في الصدقة الاستحباب وعدم الوجوب، فتحمل عليه عند الإطلاق، ولا تحمل على الوجوب إلا بدليل سالم من المعارض، وهو غير موجود؛ لأن الحمل على الأصل واجب.

        الثاني: أنه جعل الصدقة بدرهم في الحياة خير من الصدقة بمائة عند الموت، والإجماع على أن الصدقة في الصحة والحياة غير واجبة، والمستحب لا يكون أفضل من الواجب، فلما فضل صدقة الحياة على الوصية علم أنها غير واجبة; إذ لو كانت الوصية واجبة لكانت أفضل من الصدقة في [ ص: 122 ] الحياة; لأن الواجب أفضل من المندوب، كما يدل على ذلك الحديث القدسي:

        (29) رواه البخاري من طريق عطاء ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه" .

        5 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح حريص تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان" .

        وهو مثل الذي قبله في الدلالة على عدم الوجوب؛ حيث جعل الصدقة في الصحة خيرا من الوصية، والصدقة مندوبة، والمندوب لا يكون أفضل من الواجب كما سبق.

        (30) 6 - ما رواه الترمذي من طريق عبد الله بن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن ابن حجيرة (هو عبد الرحمن بن حجيرة البصري) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك" .

        [ ص: 123 ] وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم حصر الواجبات المالية في أداء الزكاة، ونفى ما سواها؛ لقوله: "فقد قضيت ما عليك" ، و "ما" من صيغ العموم، فلو كانت الوصية واجبة لما كان المزكي قاضيا جميع ما عليه.

        ومن جهة ثانية: الوصية عند القائلين بوجوبها تجب عندهم على الفور للحديث السابق: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" ، فلو كانت الوصية واجبة لبينها الرسول صلى الله عليه وسلم للسائل، ولما اقتصر على أداء الزكاة; للقاعدة الأصولية: "أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة".

        (31) 7 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق أبي سهيل ، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال: "الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا"، فقال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام؟ فقال: [ ص: 124 ] "شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا"، فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ فقال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك، لا أتطوع شيئا، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق" .

        وجه الدلالة من وجهين:

        الوجه الأول: أن فيه نفي الواجبات المالية غير الزكاة بطريق العموم; لأن لفظ "علي" مضاف إلى الضمير، فيعم; عملا بقاعدة: "المفرد المضاف يعم"، فكان السؤال عاما عن كل ما عدا الزكاة، فلما قال الرسول صلى الله عليه وسلم له: "لا" كان ذلك نفيا لوجوب كل ما عدا الزكاة؛ للقاعدة الأصولية: أن جواب السائل غير المستقل تابع للسؤال في عمومه وخصوصه.

        الوجه الثاني: أنه لو كانت الوصية واجبة لبينها له حين سؤاله؛ للقاعدة: أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

        8 - حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" .

        وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله أعطى كل ذي حق حقه هكذا بصيغة العموم، ولما لم يعط الله لغير الورثة شيئا عند قسم المواريث دل ذلك على [ ص: 125 ] أنه لا حق لغير الورثة في تركة الميت; لأنه لو كان لهم حق فيها لأعطاهم الله ذلك، كما أعطى الورثة ولم يحرمهم.

        (32) 9 - ما رواه أبو داود من طريق يحيى بن يعلى المحاربي ، حدثنا أبي، حدثنا غيلان ، عن جعفر بن إياس ، عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: والذين يكنزون الذهب والفضة قال: كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر : أنا أفرج عنكم، فانطلق، فقال: يا نبي الله، إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال: "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث -وذكر كلمة- لتكون لمن بعدكم" .

        ففي الحديث: بيان للحقوق الواجبة في المال في الحياة وبعد الموت، [ ص: 126 ] وهما الزكاة والميراث، ولم يذكر الوصية، ولو كانت واجبة لذكرها خاصة، وأن هذا الحديث متأخر عن آية الوصية والميراث، فسكوته عن الوصية، واقتصاره على الزكاة والمواريث، دليل على عدم وجوب ما عداهما من التبرعات.

        (33) 10 - ما رواه مسلم من طريق أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما، ولا شاة ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء" .

        (34) 11 - ما رواه البخاري من طريق طلحة بن مصرف قال: "سألت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى؟ فقال: "لا"، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية؟ قال: "أوصى بكتاب الله" .

        ففي هذين الحديثين: دلالة واضحة على عدم وجوب الوصية; لأنها لو كانت واجبة لبادر إليها، ولما تركها صلى الله عليه وسلم.

        ونوقش الاستدلال بهذين الحديثين من وجهين:

        الأول: حمل الوصية المنفية في أحاديث عائشة ، وابن عباس ، وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم على الوصية بالخلافة التي يدعيها الروافض ، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يوص بالخلافة لعلي رضى الله عنه من بعده، فرد عليهم هؤلاء الصحابة بأنه صلى الله عليه وسلم لم يوص;

        (35) لما روى البخاري من طريق إبراهيم ، عن الأسود قال: ذكروا عند [ ص: 127 ] عائشة رضي الله عنها: "أن عليا رضي الله عنه كان وصيا، فقالت: متى أوصى إليه، وقد كنت مسندته إلى صدري، أو قالت: حجري؟ فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري، فما شعرت أنه قد مات، فمتى أوصى إليه؟!" .

        ففي هذا الحديث: تصريح بأن الوصية التي نفتها هنا هي الوصية بالخلافة، فيحمل حديثها الآخر في نفي الوصية بلفظ عام: "ولا أوصى بشيء" على الوصية بالخلافة، وجمع بين الدليلين يحمل العام على الخاص.

        إلا أن هذا التأويل للحديثين معا هو تأويل بعيد، ترده القواعد الأصولية، وسياق الحديثين:

        أما بالنسبة لحديث عائشة رضي الله عنها الذي تقول فيه: "ولا أوصى بشيء" هو عام يشمل الوصية بالخلافة والمال، ولأن كلمة شيء نكرة في سياق النفي فتعم... وقولها في الحديث الآخر: "متى أوصى إليه؟" هو خاص في نفي الوصية بالخلافة، فلا يصح حمل النفي العام على خصوص نفي الوصية بالخلافة، ولا يصح جعل الثاني قرينة على ذلك، للقاعدة الأصولية: "أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه على الصحيح، بل يبقى على عمومه؛ لعدم التعارض بينهما".

        على أن قولها في حديث مسلم : "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما، ولا دينارا، ولا شاة، ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء" قرينة واضحة على أن الوصية التي نفتها في الحديث، هي الوصية بالمال، لا بالخلافة، وإن ثبت عنها نفيها; لأنه لا علاقة بين كونه لم يترك مالا، وبين الخلافة، حتى يصح ترتيب نفي الوصية بالخلافة على عدم تركه شيئا من المال، بخلاف الوصية بالمال فإن هناك مناسبة بين تركها، وبين كونه لم يترك مالا، ويصح ترتيبها [ ص: 128 ] عليه، فكأنها تقول: لم يوص بشيء; لأنه لم يترك شيئا يوصي فيه، لا درهما ولا دينارا... فاستقام الكلام بهذا المعنى، ولا يستقيم لو قالت: لم يوص بالخلافة; لأنه لم يترك مالا... فبان أن حمل الوصية في حديث مسلم على الوصية بالخلافة بعيد يأباه السياق ويرده.

        وأما بالنسبة لحديث عبد الله بن أبي أوفى ، فإن الزيادة المشار إليها سابقا لا يصح أن تكون قرينة على إرادة الوصية بالخلافة كما قيل لسببين:

        الأول: أنها معارضة

        (36) بما جاء في رواية ابن حبان من طريق سفيان قال: حدثنا مالك بن مغول : عن طلحة بن مصرف قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى : هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يوصي فيه، قلت: فكيف يأمر الناس بالوصية؟ قال: "أوصى بكتاب الله" .

        وهي واضحة في أن الوصية التي سئل عنها ونفاها هي الوصية بالمال; لأنها التي قال الله فيها: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين وأما الوصية بالخلافة فلا يصح أن يقال فيها كيف كتب على الناس؟ لأنها لم تكتب عليهم، ولم يؤمروا بها، ولا يملكونها، لا يسأل عنها، ولا يصح حمل الحديث عليها.

        ثانيا: أن قوله: "ما ترك شيئا يوصي" فيه دليل قاطع على أنه أراد الوصية بالمال لا الوصية بالخلافة; كما سبق توضيحه في حديث عائشة رضي الله عنها.

        يضاف إلى هذا وذاك أن الوصية في العرف هي الوصية بالمال، واللفظ يجب حمله على معناه العرفي حتى يدل الدليل على الخلافة، ولا وجود [ ص: 129 ] هنا، بل الموجود هو الدليل الدال على إرادة الوصية بالمال، وعليها حمله النووي .

        الوجه الثاني: مسلك المعارضة؛ حيث عارضوا أحاديث نفي الوصية بأحاديث أخرى تدل على أنه صلى الله عليه وسلم أوصى، فمنها:

        (37) الحديث الأول: ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس حدثه قال: أرسل إلي عمر بن الخطاب ، فجئته حين تعالى النهار... وفيه: "إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة" .

        قال ابن حزم بعد احتجاجه بهذا الحديث: "وهذه وصية صحيحة بلا شك; لأنه أوصى بصدقة كل ما يترك إذا مات، وإنما صح الأثر بنفي الوصية التي تدعيها الرافضة إلى علي فقط".

        وأجيب عن هذا بما يلي:

        أولا: أن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في الحياة ليس وصية بعد الموت.

        ثانيا: أن الوصية تكون في حدود الثلث، والظاهرية لا يجيزونها بأكثر، ولو أجازها الورثة، فلا يليق بهم الاستدلال به، وهو أول من يخالفه.

        ثالثا: أنه صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا، فلا يتناوله الخطاب بها; لقوله تعالى: إن ترك خيرا

        رابعا: أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم الوصية بجميع المال.

        خامسا: أن هذه الوصية هي وصية لغير الأقربين الذين لا يرثون، [ ص: 130 ] فالحديث حجة عليهم في عدم وجوبها للقرابة، خاصة وأنه صلى الله عليه وسلم ترك قرابته، ولم يوص لأحد منهم بشيء من ماله إجماعا.

        (38) الحديث الثاني: وفي "المغازي لابن إسحاق " رواية يونس بن بكير عنه، حدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: "لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث: لكل من الداريين والرهاويين والأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر ، وأن لا يترك في جزيرة العرب دينان، وأن ينفذ بعث أسامة " .

        ونوقش من وجوه:

        الأول: أنه من رواية ابن إسحاق ، قال ابن حجر : "صدوق يدلس، ورمي بالتشيع والقدر".

        الثاني: أنه مرسل يرويه عبيد الله بن عتبة بن مسعود ، ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.

        الثالث: أن أحاديث النفي متفق على صحتها، فتقدم عليه، ولا يلتفت إليه معها.

        الرابع: أنه وصية لغير الوالدين والأقربين، فلا حجة فيها للقول بوجوب الوصية للوالدين والأقربين غير الوارثين، ولا مجال للقول هنا بتقديم الخاص على العام، أو المثبت على النافي، كما قد يقول قائل; لأن محل القاعدتين عند تساوي الأدلة في الصحة والثبوت.

        الخامس: أن أرض خيبر كان الرسول صلى الله عليه وسلم حبسها في حياته،

        (39) فقد روى البخاري من طريق أبي إسحاق ، عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي جويرية بنت الحارث ، قال: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 131 ] عند موته درهما، ولا دينارا، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة" .

        وإذا كان قد حبسها فكيف يوصي بها؟!

        (40) الحديث الثالث: قال أحمد : حدثنا يحيى ، عن محمد بن عمرو قال: حدثني أبو سلمة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة ، ما فعلت الذهب؟"، فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة، أو الثمانية، أو تسعة، فجعل يقلبها بيده، ويقول: "ما ظن محمد بالله عز وجل لو لقيه، وهذه عنده؟ ! أنفقيها" .

        ونوقش من وجوه:

        الأول: أن هذه عطية بتها في حياته، وهي وإن كانت تعطى حكم الوصية، فإنها ليست وصية، وسبق الرد على من أدخلها في تعريف الوصية، ولذلك قالت عائشة : "إنه لم يوص بشيء" مع علمها أمر الذهيبة; لأنها لا تعد وصية.

        [ ص: 132 ] الثاني: أنها عطية لغير الأقربين، فلا يصح الاحتجاج بها; لوجوب الوصية للقرابة الذين لا يرثون.

        الثالث: أن الذهيبة فيما يظن كانت من مال الفيء، ولم تكن من ماله صلى الله عليه وسلم، وتفريق الفيء لا يعد وصية، إنما الوصية: التبرع بالملك الخاص.

        الحديث الرابع: وصيته بإجازة الوفد بما كان يجيزهم،

        (41) فقد روى البخاري ومسلم من طريق سعيد بن جبير ، قال: قال ابن عباس : يوم الخميس، وما يوم الخميس؟ اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال: "ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا"، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه، أهجر؟ استفهموه؟ فذهبوا يردون عليه، فقال: "دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه"، وأوصاهم بثلاث، قال: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم" .

        وهو أيضا لا يعارض أحاديث النفي; لأن الوصية بإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم هي بمعنى الأمر بإجازتهم من بيت المال، وليست وصية بإجازتهم من ماله صلى الله عليه وسلم; لأنه لم يترك شيئا.

        أو كل ما تركه صدقة، فلا يبقى له حق التصرف فيه بعد التصدق به في حياته.

        وكذلك ما ثبت من وصاياه الأخرى غير المالية; فإنها لا تعارض أحاديث النفي لاختلاف الموضوع; لأن الخلاف إنما هو في الوصية بالمال، وأما الوصية بغير المال فثابتة بالإجماع، ولا يسع أحدا إنكارها.

        [ ص: 133 ] والذي تطمئن إليه النفس، وتوجبه القواعد الأصولية، أنه صلى الله عليه وسلم لم يوص بشيء من المال لأحد، كما تدل على ذلك أحاديث النفي، بالإضافة إلى أن الوصية دون الصدقة في الأجر، وقد عاب الرسول صلى الله عليه وسلم على من ترك الصدقة في حياته وصحته، ويوصي بها عند مماته، فكيف يترك الأفضل، ويفعل المفضول؟ وكيف يعيب الشيء ويرتكبه، زيادة على أنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن عمر رضى الله عنهما: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده" ونحن نقطع أنه قال ذلك قبل موته بكثير، والمتكلم داخل في عموم كلامه، كما يقول الأصوليون ، فلو كانت الوصية واجبة لكان أحق الناس بكتابتها، ولو كتبها لما اختلف فيها.

        ولعل هذه أقوى حجة على أنه لم يوص.

        (2) 12 - ما رواه البخاري من طريق هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، تصدق عنها" .

        (43) 13 - ما رواه مسلم من طريق العلاء ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات وترك مالا، ولم يوص، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: "نعم" .

        (44) 14 - ما رواه الترمذي من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا، [ ص: 134 ] ولا تنكحان إلا ولهما مال، قال: "يقضي الله في ذلك" فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما، فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك" .

        فأخذ العم جميع المال، واستيلاؤه عليه دليل على أنه لم يكن أوصى بشيء من ماله لأحد.

        15 - وقال ابن قدامة في المغني: "ولنا أن أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم وصية، ولم ينقل لذلك نكير، ولو كانت واجبة لم يخلوا بذلك، ولنقل عنهم نقلا ظاهرا; ولأنها عطية لا تجب في الحياة، فلا تجب بعد الموت كعطية الأجانب".

        [ ص: 135 ] ونوقش هذا الاستدلال: بأن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن الإنكار على من مات من أصحابه ولم يوص; بأن سكوته كان لعدم الفائدة في الإنكار بعد الموت; لانقطاع التكليف به، ولم يكن سكوته تقريرا لعدم الوصية، فلا يصح الاستدلال به على عدم الوجوب.

        وهذا الجواب مردود من وجهين:

        الأول: أن حكمة الإنكار وفائدته لا يختص بالتارك، كما أن فائدة التقرير لا تختص بالفاعل، كما يقول الأصوليون.

        الثاني: ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الإنكار بعد موت الفاعل، فقد أنكر على من أعتق جميع مماليكه عند الموت، وقال له قولا شديدا.

        وأنكر على الغال غلوله بعد موته;

        (45) لما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك بن أنس ، قال: حدثني ثور ، قال: حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: افتتحنا خيبر ، ولم نغنم ذهبا ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط...، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا" .

        وعلى قاتل نفسه;

        (46) لما روى مسلم من طريق الأعمش ، عن أبي صالح ، عن [ ص: 136 ] أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا" .

        وغير هؤلاء ليعلم الناس حكم ما فعله هؤلاء.

        16 - الإجماع: قال ابن عبد البر : أجمعوا على أن الوصية غير واجبة، إلا على من عليه حقوق بغير بينة، وأمانة بغير إشهاد، إلا طائفة شذت فأوجبتها.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأنه إجماع غير صحيح ولا تام، وقد خالف في ذلك جماعة كما سبق، وحتى ابن عبد البر الذي حكاه معترف بوجود الخلاف، فلا تصح دعوى الإجماع.

        17 - قياس الوصية على الصدقة في الحياة، بجامع أن كلا منهما تبرع بمال، فإذا لم تجب الصدقة للوالدين والأقربين في الحياة، فإنها لا تجب لهم الوصية بالأحرى; لأن المال ينتقل للورثة، ولأنه لا تصرف بعد الموت، قياسها على العطية للأجانب، فإنها لا تجب في الحياة، فلا تجب بعد الموت.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأنه لا مانع من أن تكون العطية بعد الموت واجبة، وفي حال الحياة غير واجبة.

        18 - استصحاب العدم الأصلي، فإن الأصل عدم الوجوب، فيستصحب ذلك حتى يقوم الدليل الصحيح السالم من المعارض، وهو غير موجود.

        19 - استصحاب حال الإجماع على القول بحجيته، فإن الإجماع منعقد على عدم وجوب العطية للقرابة الذين لا يرثون في الحياة، فيستصحب ذلك بعد الموت; لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.

        ونوقش هذا الاستدلال: وأما الاستصحاب فهو في أصله أضعف الأدلة عند القائلين به، ولا يصار إليه إلا عند عدمها، ولا تقوم به حجة إذا وجد [ ص: 137 ] ما يخالفه، كما أن استصحاب حال الإجماع في محل النزاع لا يعتد به عند جمهور الأصوليين.

        20 - إنه لو كانت الوصية واجبة لكان ذلك استحقاقا في التركة، ومشاركة بين الورثة والموصى لهم، إحدى الجهتين لها نصيب معلوم، وهم الورثة، والجهة الأخرى لها نصيب مجهول وهم الموصى لهم، وذلك مناقض للحكمة، وسبب للتقاطع والتنازع، فلا يشرع.

        21 - أن الفرض لا يكون إلا محددا مقدرا.

        قال ابن رشد في المقدمات: "الفرض لا يكون غير محدود بكتاب وسنة" وبما أن نصيب الوصية غير محدود ولا مقيد فلا تكون واجبة.

        22 - ما أشار له ابن عبد البر : بأنه لو لم يوص الميت لقسم ماله بين ورثته بالإجماع، ولو كانت الوصية واجبة لوجب إخراج سهم الوصية من ماله.

        23 - أن الأصل براءة الذمة، وعدم الوجوب، فلا يثبت إلا بدليل لا مطعن فيه، وهو غير موجود.

        أدلة القائلين بوجوب الوصية للوالدين، والأقربين غير الوارثين:

        قوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين

        [ ص: 138 ] وجه الدلالة من وجوه:

        الأول: قوله تعالى: كتب عليكم ، فإن هذه الصيغة ظاهرة في الوجوب، تكاد تكون صريحة فيه، وقد كثر استعمالها في خطاب الشرع؛ للدلالة على الوجوب، مثل:

        قوله تعالى: كتب عليكم القصاص في القتلى ، وقوله: كتب عليكم الصيام ، وقوله: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا

        الثاني: قوله تعالى: حقا فإن الحق معناه الواجب، مثل قوله تعالى: إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب

        الثالث: التعبير ب (على) في قوله تعالى على المتقين فإنها تدل على الوجوب، كما في قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت:

        الرابع: لفظ (المتقين) يشعر بأن الوصية من أفعال المتقين، وأن تارك الوصية ليس من المتقين.

        الخامس: لفظ (المعروف) فإن فعل المعروف واجب، كما أن ترك المنكر واجب.

        قال الجصاص : ودلالة الآية ظاهرة في إيجابها، وتأكيد فرضها; لأن قوله: كتب عليكم معناه: فرض عليكم على ما بينا فيما سلف، ثم أكده [ ص: 139 ] بقوله: بالمعروف حقا على المتقين ولا شيء في ألفاظ الوجوب آكد من قول القائل: هذا حق عليك، وتخصيصه المتقين بالذكر على وجه التأكيد.

        ونوقش الاستدلال بقوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الآية، من وجوه:

        الوجه الأول: أن هذه الآية لا دلالة فيها على الوجوب، ولا حجة كما ذكره الجمهور من وجوه الدلالة على عدم الوجوب.

        وأما قوله تعالى: كتب عليكم إذا معناه فرض عليكم إذا أردتم، بقرينة آخر الآية: بالمعروف حقا على المتقين ، وهي نظير قوله تعالى في القصاص: كتب عليكم القصاص وفي الصيام: كتب عليكم الصيام فإن معنى ذلك لمن شاء القصاص، ولمن شاء الصوم; لأن القصاص غير متعين لجواز العفو على الدية وبدونها; بدليل قوله تعالى: فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، كما أن الصيام حين نزول آية الصوم لم يكن واجبا محتما، وكان يجوز للمكلف الصوم أو الإطعام كما قال تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ، وبهذا يتبين أن معنى كتب في هذه الآيات الثلاث: أن الصوم، والقصاص، والوصية مكتوبة ثابتة لمن أرادها، فهي حق له إذا أراده لا يمنع منه، وإذا لم يرده لا يلزمه، ويؤيد هذا التأويل حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق: "له شيء [ ص: 140 ] أن يوصي فيه" فالآية تقرير لحق المحتضر في الوصية للوالدين والأقربين; لئلا يمنعه الورثة بحجة أن المال صائر إليهم.

        وأما قوله تعالى: حقا فإن الحق معناه الثابت من حق الشيء إذا ثبت، والواجب والمندوب كلاهما حق ثابت والآية تحتملها، واللفظ المشترك لا يصح حمله على أحد المعنيين المتضادين إلا بقرينة، والقرينة هنا تدل على الندب، وهي قوله تعالى: بالمعروف فإن المعروف هو الإحسان، وهو غير الواجب، ولا يصح ما قاله الآخرون من أن المعروف هو الواجب; إذ يصير المعنى: كتب عليكم الوصية بالواجب، وهم لا يقولون بذلك.

        كما أن لفظ المتقين لا يقتضي إيجابها على غيرهم، بل يقتضي العكس بطريق مفهوم المخالفة، فلا يصح القول بدلالة لفظ: المتقين على وجوب الوصية.

        وأما قوله: على التي تمسك بها القائلون بالوجوب، فالجواب عنه: إنها وإن كانت ظاهرة في الوجوب، فإنها تستعمل في غيره من المندوبات، وفي الواجبات والآداب الأخلاقية، فتحمل هنا على الوجوب الأخلاقي والأدبي، بقرينة لفظ المعروف وبقرينة المتقين.

        وقد جاءت بهذا المعنى في كثير من الأحاديث النبوية، مثل:

        (47) ما رواه مسلم من طريق العلاء ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حق المسلم على المسلم ست" قيل: ما هن يا رسول الله؟، قال: "إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه" .

        [ ص: 141 ] وأكثر هذه الحقوق غير واجبة، فدل على أن هذه الصيغة غير صريحة في الوجوب، قابلة للتأويل، فتحمل على الندب؛ جمعا بين الأدلة.

        الوجه الثاني: يرى بعض القائلين بعدم الوجوب: أن آية الوصية على تسليم دلالتها على الوجوب جدلا محمولة على من عليه حق من حقوق الله فرط فيها، أو عليه ديون لغيره، أو عنده ودائع أو أمانات، أو له حقوق عند غيره يخشى ضياع تلك الحقوق إذا لم يوص بها ; لعدم من يشهد بها، فهذا يجب عليه الإيصاء بها; لوجوب أدائها لأهلها، كما قال تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وقوله: فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ، وإذا تعذر عليه أداؤها في حياته لسبب من الأسباب وجب عليه الإيصاء بها لأهلها عند موته; لأنه لا سبيل أمامه لإيصال الحق لأهله إلا الوصية، فتجب عليه حينئذ; لقاعدة: المقدور الذي لا يتم الواجب المطلق إلا به واجب، وعلى هذا المعنى حمل أبو ثور هذه الآية، فيما نقله ابن المنذر .

        وأجيب عن هذا بأجوبة:

        الأول: أن الآية خطاب عام كل من حضره الموت: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ، وليس كل من حضره الموت مدينا للوالدين والأقربين.

        الثاني: لو كان المقصود من عليه حق لله أو لغيره; لما خص الله الوالدين والأقربين بوجوب الوصية لهم بحقوقهم وديونهم; لأن غيرهم من [ ص: 142 ] الدائنين وأصحاب الحقوق مثلهم، يجب على المدين المحتضر أن يوصي لهم بحقوقهم متى خاف عليها من الضياع; لعموم الأدلة السابقة.

        الثالث: لو كان المقصود ذلك أيضا; لما قال الله تعالى: بالمعروف ; لأن الوصية في هذه الحالة واجبة، والمعروف غير الواجب كما سبق.

        الرابع: ولأن الوصية في هذه الحال تكون بجميع الحقوق الواجبة، لا بالمعروف، إلا أن يحمل المعروف على العدل، كما يقول بعض المفسرين، والعدل هو الوصية لهم بجميع حقوقهم، وذلك واجب، أو يجعل المعروف من المعرفة، وأل فيه للعهد المعروف المعهود، وهو الحقوق المعروفة بين الدائن والمدين: الموصى والموصى له.

        الخامس: أن الدين غير الوصية، وقد ذكرها الله تعالى في آية المواريث، وغاير بينهما، وسمى كل واحد باسمه، حين قال: من بعد وصية يوصى بها أو دين .

        فالدين لا يسمى وصية شرعا، والمدين المحتضر إذا أقر بما عليه من الحقوق لا يكون بذلك موصيا، وإنما هو اعتراف بالحق، وإقرار به.

        السادس: الآية عامة في كل من حضره الموت كما سبق، وحملها على خصوص من عليه ديون، أو عنده حقوق، تخصيص يحتاج إلى دليل من جهة.

        ومن جهة ثانية: يؤدي إلى حمل الآية على الصورة النادرة، أو أندرها، وهو المحتضر المدين للوالدين والأقربين، ويبقى حكم المحتضر المدين لغيرهم، والمحتضر الذي لا دين عليه، ولا حق عنده مسكوت عنه غير داخل [ ص: 143 ] في الخطاب والعموم، وهم أكثر عددا، وفي هذا تضييق لمضمون الآية، وتخصيص العام بدون موجب.

        قال ابن عبد البر في التمهيد: "وقد أجمع العلماء على أن الوصية غير واجبة على أحد، إلا أن يكون عليه دين، أو تكون عنده وديعة، أو أمانة فيوصي بذلك، وفي إجماعهم على هذا بيان لمعنى الكتاب والسنة".

        فأشار بهذا إلى أن الآية مخصصة بالإجماع، إلا أن دعوى الإجماع غير مسلمة، فالخلاف في وجوب الوصية قديم منذ عهد الصحابة، كما أن تخصيص الكتاب بالإجماع مختلف فيه بين الأصوليين، وعلى تسليم ذلك تبقى الاعتراضات الأخرى قائمة.

        الوجه الثالث: دعوى النسخ .

        ذهب ابن العربي في الناسخ والمنسوخ إلى الإجماع على نسخها، إلا أن الصحيح أن فيها خلافا، وبه قال الضحاك ، وقتادة ، وطاووس ، والحسن ، واختاره الطبري .

        أن الآية محكمة لم ينسخ منها شيء، وأنها من باب العام الذي أريد به الخصوص، فإن لفظ الوالدين والأقربين عام; لدخول "أل" عليهما، والجمع المعرف بأل للعموم، إلا أن المراد بهم الوالدان والأقربون الذين لا يرثون، فهم الذي تجب لهم الوصية دون الوارثين منهم،

        وبالنسبة للقدر المنسوخ عند القائلين بنسخها ، هناك قولان:

        القول الأول: أنها منسوخة كلها، وأن ما تدل عليه من وجوب الوصية [ ص: 144 ] منسوخ جملة وتفصيلا في حق من يرث، ومن لا يرث، وهو قول الأئمة الأربعة وأتباعهم.

        (48) فقد روى البخاري من طريق عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع" .

        القول الثاني: أن الآية منسوخة في حق من يرث من الوالدين والأقربين، ومحكمة في حق من لا يرث منهم; لمانع أو حاجب، وهو قول يروى عن ابن عباس ، وقتادة ، والحسن ، قالوا جميعا: الآية عامة تقرر الحكم بها برهة، ثم نسخ منها كل من كان يرث بآية الفرائض، يعني: وبقي من لا يرث.

        فرع:

        بالنسبة لتعيين الناس على القول بنسخها كليا أو جزئيا، هناك أقوال :

        الأول: أنها منسوخة بآية الفرائض

        (49) روى ابن أبي شيبة : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الجهضم ، عن عبد الله بن بدر ، عن ابن عمر رضي الله عنهما: " إن ترك خيرا الوصية قال: نسختها آية الفرائض ، وترك الأقربون ممن لا يرث" .

        [ ص: 145 ] (50) روى أبو داود من طريق يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث .

        إلا أن القائلين بوجوب الوصية ردوا هذا القول من وجهين:

        الوجه الأول: أن من شروط النسخ ثبوت التعارض بين الناسخ والمنسوخ، واستحالة الجمع بينهما بحال، وهذا غير موجود بين آية الوصية وآية الميراث ; لسببين:

        1 - أنه لا مانع من اجتماع الإرث والوصية معا ؛ بدليل جواز الوصية لوارث، إذا أجازها الورثة، وإذا كان كذلك لم يكن إيجاب الميراث نسخا للوصية; لعدم التعارض وإمكان الجمع بأن يأخذ القريب بالوصية والإرث.

        2 - أن آية الوصية عامة في المواريث وغيرها، وآية المواريث خاصة: [ ص: 146 ] بالوالدين والأقربين الوارثين، ولا تعارض بين الخاص والعام; لإمكان الجمع بينهما بحمل العام على غير صورة الخاص، فتحمل آية الوصية على من لا يرث من الوالدين والأقربين; لسبب من الأسباب، وتحمل آية المواريث على من يرث منهم، وبذلك ينتفي التعارض بينهما.

        لما يلي:

        أ - أن الخاص المتأخر عن العام يخصص العام، أو ينسخه فيما تعارضا فيه، ولا ينسخه جملة، ولا يبطل حكمه.

        ب - أن التخصيص مقدم على النسخ عند تعارضهما واحتمالهما.

        ج - أن النسخ لا يصار إليه إلا بدليل.

        د - أن الجمع بين الدليلين واجب متى أمكن، وهو هنا ممكن بحمل العام على الخاص.

        الوجه الثاني: أن من شروط النسخ معرفة المتقدم من المتأخر، وهو هنا غير معروف; لأنه لا يعرف المتقدم من المتأخر من آية الوصية وآية المواريث، كما قال ابن العربي ، إلا أن هذا لا يسلم له، فإن ما سبق عن ابن عباس رضي الله عنه ما يدل على تأخر آية المواريث عن آية البقرة؛ حيث قال: (كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب) وقد جزم ابن عبد البر بتأخر آية الفرائض عن آية الوصية.

        [ ص: 147 ] القول الثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى في آية المواريث: من بعد وصية يوصي بها أو دين

        وجه الدلالة: أن لفظ الوصية في البقرة جاء معرفا بأل الوصية للوالدين والأقربين ، وفي سورة النساء جاء منكرا: من بعد وصية يوصي بها أو دين فدل ذلك على أن الوصية التي أمر الله بإخراجها قبل الميراث، وتقديمها عليه، ليست هي الوصية للوالدين والأقربين، بل مطلق الوصية، كانت لهم أو لغيرهم، بدليل:

        1 - أنه لو كان المقصود بآية المواريث هي الوصية للوالدين والأقربين المذكورة في البقرة لقال: من بعد الوصية، بالتعريف؛ للإشارة إلى الوصية المعهودة في البقرة، فلما نكرها دل على أنها غيرها; لقاعدة: "أن المعرفة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى، وإذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى".

        2 - أنه لو كان المقصود الوصية للوالدين والأقربين لاقتضى ذلك أن الوصية لغير الوالدين والأقربين لا تنفذ، وهو خلاف الإجماع خلافا لطاووس .

        وإذا ثبت أن الوصية المذكورة في آية المواريث غير المذكورة في البقرة، كان ذلك دليلا على نسخ إيجاب الوصية للوالدين والأقربين .

        يقول الجصاص : "والذي أوجب نسخ الوصية عندنا للوالدين والأقربين قوله تعالى في سياق آية المواريث: من بعد وصية يوصى بها أو دين فأجازها مطلقة ولم يقصرها على الأقربين دون غيرهم، وفي ذلك إيجاب نسخها للوالدين والأقربين; لأن الوصية لهم قد كانت فرضا، وفي هذه إجازة تركها [ ص: 148 ] لهم، والوصية لغيرهم، وجعل ما بقي ميراثا للورثة على سهام مواريثهم، وليس يجوز ذلك إلا وقد نسخ تلك الوصية.

        ثم أضاف يقول: فلما أطلق الوصية في آية المواريث بلفظ منكر ثبت أنه لم يرد بها الوصية المذكورة للوالدين والأقربين، وأنها مطلقة جائزة لسائر الناس، ثم يقول: وفي ذلك نسخ الوصية للوالدين والأقربين".

        إلا أن هذا القول يرد عليه أنه مبني على قاعدتين خلافيتين:

        الأولى: أن المعرفة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى، وهي قاعدة لغوية غير محررة، ولا مطردة، ومن شرطها أن تكون النكرة والمعرفة مذكورتين في كلام واحد، أو كلامين بينهما تواصل، بأن يكون أحدهما معطوفة على الآخر وله به تعلق، وهذا الشرط غير متوفر; لأن الوصية المعرفة جاءت في البقرة، الوصية للوالدين والأقربين والمنكرة في سورة النساء، بالإضافة إلى ما ذكر من عدم تحرير القاعدة واطرادها، فقد أعيدت المعرفة نكرة، وهي عين الأولى في كثير من الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى: ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا

        والقاعدة الثانية: التي بنى عليها الجصاص قوله هي: أن المطلق المتأخر ناسخ للمقيد المتقدم، كالعام المتأخر، فالوصية في البقرة مقيدة بكونها للوالدين والأقربين، والتي في المواريث مطلقة: من بعد وصية ؛ ولذلك نسختها، بناء على مذهب الحنفية .

        وعلى القول بأن المطلق محمول على المقيد مطلقا، أو إذا اتحد سببهما [ ص: 149 ] فإن مقتضى ذلك حمل الوصية في آية المواريث على آية البقرة، وتقييدها بها، ويكون المراد بهما واحدا، وهو الوصية للوالدين والأقربين، وبذلك تكون الآية دليلا لمذهب طاووس ومن معه من القائلين بعدم صحة الوصية لغير الوالدين والأقربين.

        وعلى القول بإبقاء المقيد على قيده، والمطلق على إطلاقه عند اختلاف حكمهما فإنه لا نسخ ولا تقييد; لأن الوصية في البقرة الحكم فيها إنشاؤها، والتي في المواريث الحكم إخراجها، أو بعبارة أخرى: الحديث عن الوصية في البقرة من حيث إيجادها وفعلها، والحديث عن الوصية في المواريث من حيث إخراجها، وتقديمها على الإرث، والحكم فيهما مختلف، والمطلق والمقيد إذا اختلفا في الحكم لا يحمل أحدهما على الآخر على الصحيح عند الأصوليين.

        القول الثالث: أنها منسوخة بآية: وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ، وهو قول ضعيف، يرده أنه لا تعارض بينهما، ولا نسخ إذا لم يكن تعارض.

        القول الرابع: أن الآية منسوخة بحديث: "لا وصية لوارث" .

        ووجه دلالته على النسخ: أن المراد بالنفي في الحديث الجواز، لا نفي الصحة، بدليل:

        (51) ما رواه أبو داود في مراسيله من طريق عطاء الخرساني ، عن [ ص: 150 ] ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة" .

        (52) وما رواه الدارقطني من طريق سهل بن عمار ، نا الحسين بن الوليد ، نا حماد بن سلمة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر: "لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة" ، ونفي الجواز يستلزم نفي الوجوب; لاستحالة الجمع بين كون الشيء واجبا وممنوعا في آن واحد; لأنه جمع بين الضدين.

        [ ص: 151 ] وقد رد ابن العربي هذا القول من وجهين:

        1 - أنه حديث لا أصل له.

        وأجيب: بعدم التسليم، فإن أصل الحديث ثابت كما سبق في تخريجه.

        2 - أنه لا يصح نسخ الكتاب إلا بالخبر الصحيح المتواتر، حتى يماثل الناسخ المنسوخ في العلم والعمل.

        وأجيب: أن الصحيح عند الأصوليين، أنه يجوز نسخ الكتاب بخبر الآحاد ; لأن الكل من عند الله، خلافا للشافعي ومن وافقه في منعه.

        لكن يبقى القول أن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" لا يصح أن يكون ناسخا للوصية للوالدين والأقربين غير الوارثين; لأنه يدل على منع الجمع بين الإرث والوصية، وأما من لا يرث فلا يدل على منع الوصية له، بل يدل على ثبوتها له على طريق المفهوم، فإن مفهوم "لوارث" ثبوتها لغيره، فيكون الحديث ناسخا للوصية للوالدين والأقربين الوارثين، فلا يتم الاستدلال به على النسخ المطلق لأصل الوصية.

        نعم، قوله في أول الحديث: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه" هكذا [ ص: 152 ] بصيغة العموم، يصلح أن يكون ناسخا لأصل الوصية، ولإيجابها مطلقا لمن يرث ولمن لا يرث.

        ووجه ذلك: أن إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الله أعطى لكل ذي حق حقه من التركة دليل على أن من لم يعطه شيئا منها، فلا حق له فيها، وحيث لم يعط لغير الورثة شيئا حين تقسيم الميراث، فذاك دليل على أنه لا حق لهم فيها، وإلا لأعطاهم إياه كما أعطى الورثة.

        قال ابن العربي معقبا على قول ابن عباس رضي الله عنهما: (كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله تعالى من ذلك ما أحب) قال: "من كان من القرابة وارثا دخل مدخل الأبوين، ومن لم يكن وارثا قيل له: أن قطعك من الميراث الواجب إخراج لك عن الوصية الواجبة" .

        القول الخامس: إنها منسوخة بآية الفرائض، وحديث: "لا وصية لوارث" مجتمعين، ولا يستقل أحدهما بنسخها، وهو مروي عن الشافعي ، أما الحديث; فلأنه لا يصح عنده نسخ الكتاب بالسنة، وأما آية الفرائض; فلأنه لا تعارض بينها وبين آية الوصية; لإمكان الجمع بين الإرث والوصية، ولكن لما قال: "لا وصية لوارث" علم امتناع الجمع بينهما، فكان لا بد من النسخ، وهو نسخ الكتاب والسنة في آن واحد.

        القول السادس: الوصية للوالدين والأقربين منسوخة .

        بما رواه مسلم من طريق أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين رضي الله عنه: "أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال [ ص: 153 ] غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا" .

        وجه الدلالة على النسخ: أن هذه وصية لغير القرابة بجميع المال، أجاز منها النبي صلى الله عليه وسلم الثلث، ورد الثلثين، ولو كانت الوصية واجبة للقرابة الذين لا يرثون لرد النبي صلى الله عليه وسلم الوصية للرقيق، ولما أجاز لهم الثلث; لأنها وصية لغير قرابته، فلما أجازها على الوجه المذكور دل على عدم وجوب الوصية للقرابة غير الوارثين، وعلى نسخ آية البقرة التي أوجبت الوصية لهم، وبهذا احتج الشافعي على النسخ

        ورده ابن حزم من وجوه:

        الوجه الأول: أنه ليس في الحديث ما يدل على تأخره عن آية الوصية، ومن شرط الناسخ أن يعلم المتقدم من المتأخر، وأن يكون الناسخ هو المتأخر.

        كما رده أبو بكر الجصاص من وجهين آخرين:

        الأول: احتمال أن تكون أمه أعجمية، وأن يكون العبيد الذي أعتقهم الموصي من قرابته من جهة أمه الأعجمية.

        الثاني: أن هذا مخالف لأصله الثابت عنه، وهو أن السنة لا تنسخ القرآن.

        ورد الوجه الأول: بأن تحديد الوصية بالثلث لم يكن إلا في حجة الوداع لحديث سعد بن أبي وقاص ، فإنه لو كان معروفا قبل ذلك لما أوصى سعد بجميع ماله، ولو كانت قصة الذي أعتق جميع عبيده وقعت قبل ذلك لعلمها [ ص: 154 ] بعد، كما علمها غيره، فإن الشأن فيها أن لا تخفى، ولا شك أن آية الوصية نزلت قبل ذلك بكثير، كما سنراه،

        (54) وقد روى البخاري ومسلم من طريق ابن المنكدر سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: "مرضت مرضا فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، وأبو بكر وهما ماشيان، فوجداني أغمي علي، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صب وضوءه علي، فأفقت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث" .

        وهو صريح في تأخر آية الفرائض عن آية الوصية.

        (55) وثانيا: روى أحمد من طريق سماك بن حرب ، عن الحسن البصري ، عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن رجلا أعتق عند موته ستة رجلة له، فجاء ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع قال: "أو فعل ذلك؟ قال: لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه، قال: فأقرع بينهم، فأعتق منهم اثنين ورد أربعة في الرق" ، ففي هذا دلالة على أن القصة وقعت بعد آية الفرائض، وآية الفرائض متأخرة عن آية الوصية كما سبق، فيكون هذا الحديث متأخرا عن آية الوصية، ناسخا لها.

        ثالثا: أن عمران بن حصين رضي الله عنه لم يسلم إلا عام خيبر في السنة [ ص: 155 ] السابعة، وآية الوصية نزلت قبل السنة الخامسة، كما يفهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وعائشة في قصة أم سعد بن عبادة ، فقد خرج ابنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة دومة الجندل سنة خمس، فأدركتها الوفاة، فقال لها الحاضرون: أوصي، فقالت: فيم أوصي؟ إنما المال مال سعد ، فقد كان أمر الوصية معروفا في أوساط المسلمين، يعلمه النساء وغيرهن، وذلك دليل على تقدم نزول الآية عن هذا التاريخ.

        الوجه الثاني: أن الحديث هو المنسوخ بآية الوصية، وليس العكس; لاتفاق الجميع على أنه قبل نزول آية الوصية المذكورة، كان يجوز للإنسان أن يوصي لمن شاء، فنسخت الآية ذلك الحكم السائد، والذي جاء الحديث على مقتضاه، وأوجبت الوصية للوالدين والأقربين، ولا يمكن أن يعود المنسوخ ناسخا، والناسخ منسوخا بغير نص ثابت.

        وأجيب: أنه لا يصح; لأنه ليس في الآية ما يدل على تأخرها عنه، كما ليس في الحديث ما يدل على تقدمه عليها، بل الأمر بالعكس، وهو أن الحديث هو المتأخر كما سبق.

        الوجه الثالث: أنه يحتمل أن يكون الموصي حليفا في الأنصار ولا قرابة له، فلا تبقى فيه حجة على جواز الوصية لأجنبي، وترك القريب مع وجوده.

        وأجيب: ما جاء في الرواية السابقة عند أحمد : أنه له ورثة جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يخلو حال من له ورثة من القرابة أن يكون له قرابة غير وارثين.

        بالإضافة إلى أن الاعتماد على مجرد احتمال أن يكون لا قرابة له لرد الاستدلال بالحديث، والحكم بنسخه، يعتبر في حد ذاته قولا بغير دليل، يحرمه ابن حزم ، فلا يليق به الالتجاء إليه.

        [ ص: 156 ] كما أن قول الجصاص باحتمال أن تكون أمه أعجمية، وأن يكون الرقيق الذي أعتقهم قرابته من أمه مردود; لأنه مجرد احتمال لا دليل عليه، وهو أبعد مما قبله; لأنه احتمال مركب، مبني على احتمالين: احتمال كون الأم أعجمية، وكون العبيد كلهم قرابته من أمه، وهو بعيد بالنسبة للمجتمع العربي في عصر النبوة؛ حيث كانت العرب في فرقة، والعجم المحيطون بهم في قوة ومنعة، ولا يتأتى معها استعباد هذا العربي لهذا العدد من العجم، ومن قرابة واحدة.

        فلم يبق إلا ما قاله الشافعي ، وهو أن هؤلاء الرقيق لم يكونوا من قرابته، وأن العرب لا تستعبد قرابتها من الجهتين، وإنما تملك من لا قرابة له أو كان من العجم.

        القول السابع: أن الآية منسوخة بما دل عليه الإجماع، وإن لم يتعين دليله; لأنه لا بد للإجماع من مستند.

        قال ابن العربي : "وإن انعقد - يعني: الإجماع - على أثر جاز أن يكون ناسخا، ويكون الناسخ الخبر الذي انبنى عليه الإجماع، وهذه مسألتنا بعينها، فإن الأمة إنما جمعت رأيها على إسقاط الوصية للوالدين... "

        القول الثامن: إنها منسوخة بتقريره صلى الله عليه وسلم أصحابه على عدم الوصية، وعلى الوصية لغير الأقارب؛ فقد جاء في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "أنه أراد الوصية بماله كله في سبيل الله" فمنعه الرسول صلى الله عليه وسلم من الوصية بذلك، وبالنصف وبالثلثين، وأجاز له الثلث.

        [ ص: 157 ] والحجة فيه: أنه صلى الله عليه وسلم أنكر عليه الوصية بأكثر من الثلث، ولم ينكر عليه جعل الوصية لغير قرابته، فدل ذلك على نسخ الوصية للوالدين والأقربين، كما أن جماعة من الصحابة تركوا الوصية في حياته ولم ينكر عليهم، فدل ذلك على نسخ وجوب الوصية جملة، والصحيح عند الأصوليين: جواز النسخ بتقريره صلى الله عليه وسلم كجوازه بفعله، وأن تقريره صلى الله عليه وسلم على الجواز للفاعل وغيره.

        القول التاسع: أنها منسوخة بفعله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يوص لأحد بشيء كما سبق في أحاديث عائشة ، وابن عباس ، وعبد الله بن أبي أوفى ، ولو كانت الوصية واجبة لكان أسبق الناس إليها، ولما تركها، ودلالة الترك على النسخ كدلالة الفعل عليه، كاستدلالهم.

        الوجه الرابع عن الاستدلال بالآية: بأن آية الوصية غير منسوخة، وأن المقصود بها الوصية بتوريث الوالدين والأقربين على حسب الفرائض المبينة، فالوصية المكتوبة في آية البقرة مجملة في المقادير، وفي أعيان الأقربين، جاءت أولا مجملة، ثم بينت في آية: يوصيكم الله في أولادكم نظير آية: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر ؛ حيث قررت مبدأ الإرث مجملا في مقاديره وأهله، ثم نزل بيانه في آية: يوصيكم الله في أولادكم

        وأجيب عنه بأمور: الأول: يلزم عليه التكليف بالمحال، وهو تكليف من حضره الموت [ ص: 158 ] بالوصية للوالدين والأقربين بما فرضه الله لهم قبل علم المخاطب بذلك، فهو تكليف له بما لا يعلمه، ولا يقدر على امتثاله، ولا يمكنه فعله، وذلك لا يجوز أو لم يقع على الخلاف بين الأصوليين.

        الثاني: أنه يلزم عليه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو لا يجوز إجماعا.

        الثالث: جعله آية المواريث بيانا لآية الوصية يقتضي أنه لا وصية بعد الميراث; لأن البيان هو عين المبين، لا يختلف عنه إلا بالإيضاح والتفصيل الذي يزيد به على المبين، وهذا يرده ما تضمنته آية المواريث من بقاء العمل بالوصية بعد شرع المواريث، كما قال تعالى: من بعد وصية يوصي بها

        وما رواه ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" ، ولم يزد: يريد أن يوصى فيه.

        (56) وما رواه أحمد من طريق أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "حق على كل مسلم أن يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده" .

        فقد اتفقت هذه الروايات في الدلالة على وجوب الوصية، وإن اختلفت وجوه دلالتها قوة وضعفا، وصراحة واحتمالا.

        [ ص: 159 ] نوقش الاستدلال بحديث ابن عمر رضي الله عنهما على وجوب الوصية للوالدين والأقربين من وجوه:

        الأول: أنه خبر آحاد فيما تعم به البلوى، فلا تقوم به حجة بناء على مذهب الحنفية من اشتراط التواتر فيما تعم به البلوى، وعدم قبول خبر الآحاد فيه.

        ونوقش: بعدم التسليم، فخبر الآحاد مقبول مطلقا.

        الثاني: أنه خبر آحاد خالفه راويه، فلا يقبل، فإن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما راويه لم يوص، ومخالفة الراوي لما روى تقدح في المروي.

        إلا أن الحافظ ابن حجر رد هذه المناقشة بأمور:

        1 - أن القاعدة الأصولية: أن العبرة بما رواه الراوي، لا بما رآه على الصحيح عن الأصوليين.

        2 - أنه معارض بما ثبت عنه من وقف بعض دوره، كما سيأتي.

        3 - أنه معارض بما ورد عنه،

        (57) بما رواه مسلم من طريق ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم، له شيء يوصي فيه، يبيت ثلاث ليال، إلا ووصيته عنده مكتوبة" ، قال عبد الله بن عمر : "ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي" .

        ونوقش: بأن هذا لا يدفع الاعتراض، فإن الوقف الثابت عنه هو غير [ ص: 160 ] الوصية; لأن الوقف عطية في الحياة، والوصية عطية بعد الوفاة، والخلاف في الوصية، لا في الوقف.

        كما أن قوله: "لم أبت ليلة إلا ووصيتي مكتوبة عندي" لا يصلح لمعارضة ما ثبت عنه من عدم الوصية،

        (58) فقد روى ابن سعد من طريق أيوب ، عن نافع : "أن ابن عمر اشتكى فذكروا له الوصية، فقال: الله أعلم ما كنت أصنع في مالي، وأما رباعي وأرضي، فإني لا أحب أن أشرك مع ولدي فيها أحدا" .

        لأن هذا قول كان يقوله في حياته، "فلما حضره الموت وقيل له: ألا [ ص: 161 ] توصي؟ قال: أما مالي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه، وأما رباعي فلا أحب أن يشارك ولدي فيها أحد" .

        فكانت العبرة بآخر الأمر، وبالفعل، لا بالقول.

        4 - أنه محمول على من عليه حقوق، أو عنده أمانات لغيره.

        5 - أنه منسوخ بما نسخت به الآية، وأن ذلك كان في أول الإسلام، ثم نسخ.

        6 - منع دلالته على الوجوب.

        أما رواية (لا يحل) فهي شاذة، كما قال ابن عبد البر : والشاذ لا تقوم به حجة، وعلى عدم شذوذها كما قال ابن حجر ، فالجواب عنها من وجوه:

        الأول: احتمال روايتها بالمعنى فلا تتم بها الحجة; لأن الحجة في المحكي لا في الحكاية، كما يقول الأصوليون.

        الثاني: أن المراد به "لا يحل" لا يليق في مكارم الأخلاق والأدب.

        الثالث: احتمال أن يكون أراد بنفي الحل ثبوت الجواز بمعناه الأعم الشامل للواجب والمندوب والمباح، والأعم لا إشعار له بأخص معين، وثبوت الأعم لا يستلزم ثبوت الأخص، كما يقول الأصوليون.

        وأما رواية حق على كل مسلم فهي وإن كانت ظاهرة في الوجوب لاقتران لفظ الحق بكلمة "على"، فإن هناك قرينة أخرى تعارضها، وأقوى منها في الدلالة على عدم الوجوب، وهي قوله في الحديث: له شيء يريد أن [ ص: 162 ] يوصي فيه ففوض الأمر إلى الموصي، ولو كانت الوصية واجبة لما علقها بإرادة الموصي، ولكانت واجبة أرادها أو لم يردها، كسائر الواجبات، ولا يتوقف وجوبه على إرادة المكلف.

        بالإضافة إلى أن هذه الصيغة وردت في لسان الشرع لغير الوجوب في عدة أحاديث، فلتكن هذه منها بقرينة له شيء يريد أن يوصي فيه .

        وحمل اللفظ المحتمل للوجوب والندب على الندب، أولى من حمله على الوجوب; لأن الأصل براءة الذمة، ولأنه القدر المحقق، والزائد مشكوك فيه، فلا يثبت مع الشك.

        ما رواية: ما حق امرئ فالجواب عنها زيادة على ما سبق من وجهين:

        الأول: أن الحق يحتمل للواجب والمندوب; لإطلاقه عليهما، وقوله: "يريد أن يوصي" قرينة على أن المراد الندب، لا تعارضها قرينة أخرى في هذه الرواية، فيتعين حملها عليه لعدم المعارض.

        الثاني: أن المراد به الحزم والاحتياط، لا الفرض والوجوب، قال الشافعي : "يحتمل ما الحزم والاحتياط، ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من جهة الفرض".

        وأما رواية "لا ينبغي" فإنها محمولة على أنه لا ينبغي في مكارم الأخلاق، ولا يليق بالمسلم ترك الوصية، بقرينة قوله: "يريد أن يوصي فيه" .

        4 - قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي" .

        وأجيب: بأنه لا دلالة فيه على الوجوب صراحة، وإنما فيه أنه لم تمر عليه ليلة إلا ووصيته مكتوبة عنده، هكذا رواه مسلم ، وهذه العبارة وحدها [ ص: 163 ] لا تدل على الوجوب، وإنما تدل على المبادرة إلى الامتثال، والمواظبة عليه، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما معروفا بحرصه الشديد على التمسك بالسنة: واجبها ومندوبها، وأحيانا حتى المباح منها، فلا يدل مجرد الكتابة على قوله بوجوب الوصية، خاصة ونحن نقطع بأنه لم يترك وترا، فهل يدل ذلك على وجوبه عنده؟.

        ثم هو معارض بما صح عنه أنه لم يوص عند موته، وعرض عليه ذلك فأبى، وهذا مقدم; لأنه آخر أمره، ثم هو فعل وذلك قول، والفعل أقوى من القول المجرد لصراحته، واحتمال القول للوجوب والندب، كما أنه على تسليم دلالته على الوجوب، فإن ذلك اجتهاد منه في فهم الحديث الذين رواه، لا يكون حجة على غيره، بناء على أن تفسير الراوي غير لازم لغيره.

        (59) 5 - ما رواه عبد الرزاق في تفسيره من طريق الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم ، قال: ذكر عنده طلحة ، والزبير ، فقيل: كانا يشددان في الوصية، فقال: "وما عليهما أن لا يعملا؟ توفي النبي صلى الله عليه وسلم فما أوصى، وأوصى أبو بكر ، فإن وصى فحسن، وإن لم يوص فلا بأس .

        ونوقش: بأنه ضعيف، وأيضا: بأنه معارض بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص، وباجتهاد غيرهما من الصحابة، قال النخعي : "ما كان عليهما أن يفعلا، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أوصى" .

        [ ص: 164 ] (60) 6 - ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "من لم يوص عند موته لذي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية" .

        ونوقش من وجوه: الأول: أنه أثر لا تعرف صحته.

        الثاني: أنه مخالف لما ورد عنه من الإفتاء بتركها لمن ترك قليلا.

        الثالث: أنه مخالف للسنة النبوية، ولآثار رويت عن صحابة آخرين.

        7 - ما رواه البخاري من طريق طلحة بن مصرف قال: "سألت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى؟ فقال: "لا"، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية؟ قال: "أوصى بكتاب الله" .

        استنبط بعض العلماء من هذا أن عبد الله بن أبي أوفى وطلحة بن مصرف كانا يعتقدان وجوب الوصية.

        وأجيب: بأنهما لم يصرحا فيه بالوجوب، وإنما فهمه من نسبه إليهما.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم -: أن يقال: بأن كلا من القولين له قوة، والأحوط للمسلم أن يوصي بشي من ماله لمن لا يرث من أقاربه، أبرأ لذمته، وأحوط لدينه.

        [ ص: 165 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية