الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الثاني: صيغة الوصية

        وفيه مطالب:

        المطلب الأول: تعريف الصيغة

        قال ابن عرفة : الصيغة ما دل على معنى الوصية، فيدخل اللفظ، والكتابة، والإشارة.

        وفي رد المحتار: "وأما بيان الألفاظ المستعملة فيها، ففي النوادر عن محمد إذا قال: اشهدوا أني أوصيت لفلان بألف درهم، وأوصيت أن لفلان في مالي ألف درهم، فالأولى وصية والأخرى إقرار، وفي الأصل قوله: سدس داري لفلان، وصية، وقوله: لفلان سدس في داري، إقرار، وعلى هذا قوله: لفلان ألف درهم من مالي، وصية استحسانا إذا كان في ذكر وصيته، وفي مالي إقرار، وإذا كتب وصيته بيده، ثم قال: اشهدوا علي في هذا الكتاب، جاز استحسانا، وإن كتبها غيره لم يجز".

        وفي شرح الخرشي : "هذا هو الركن الثالث: وهي الصيغة، والمعنى: أن الوصية تكون بلفظ صريح، كأوصيت، وتكون بلفظ غير صريح يفهم منه [ ص: 209 ] إرادة الوصية، كالإشارة، وظاهره ولو من القادر على الكلام، خلافا لابن شعبان ".

        قال في نهاية المحتاج: "(وصيغتها) أي: الوصية، ما أشعر بها من لفظ أو نحوه ككتابة مع نية كما سيأتي، وإشارة أخرس.

        فمن الصريح (أوصيت) فما أفهمه: تعريف الجزأين من الحصر غير مراد، (له بكذا) ولو لم يقل بعد موتي لوضعها شرعا لذلك، (أو ادفعوا إليه) كذا (أو أعطوه) كذا، وإن لم يقل: من مالي، أو وهبته أو حبوته أو ملكته كذا أو تصدقت عليه بكذا، (بعد موتي) أو نحوه الآتي راجع لما بعد أوصيت، ولم يبال بإيهام رجوعه له نظرة لما عرف من سياقه أن أوصيت وما اشتق منه موضوعة لذلك، (أو جعلته له) بعد موتي (أو هو له بعد موتي) أو بعد عيني أو إن قضى الله علي وأراد الموت، وإلا فهما لغو؛ وذلك لأن إضافة كل منهما للموت صيرتها بمعنى الوصية، وكأن حكمة تكريره بعد موتي اختلاف ما في السياقين؛ إذ الأول محض أمر.

        والثاني: لفظه لفظ الخبر، ومعناه الإنشاء، وزعم أنها لو تأخرت لم تعد للكل; لأن العطف ب"أو" ضعيف كما مر، في الوقت (فلو اقتصر على نحو: وهبته له فهو هبة ناجزة، أو على نحو: ادفعوا إليه كذا من مالي; فتوكيل يرتفع بنحو موته، وفي هذه وما قبلها لا يكون كناية وصية أو على جعلته له احتمل الوصية والهبة، فإن علمت نيته لأحدهما وإلا بطل، أو على ثلث مالي للفقراء، لم يكن إقرارا بل كناية وصية على الراجح، أو على (هو له فإقرار); لأنه من صرائحه ووجد نفاذا في موضوعه فلا يجعل كناية وصية، وكذا لو اقتصر على قوله: هو صدقة أو وقف على كذا، فينجز من حينئذ، وإن وقع جوابا ممن قيل له: أوص; لأن مثل ذلك لا يفيد (إلا أن يقول: هو له من مالي، فيكون [ ص: 210 ] وصية أي: كناية عنها؛ لاحتماله لها وللهبة الناجزة فافتقر للنية، وبه يرد ما رجحه السبكي أنه صريح، وعلى الأول لو مات ولم تعلم نيته بطل; لأن الأصل عدمها، والإقرار هنا غير متأت لأجل قوله مالي نظير ما يأتي، (وتنعقد بكناية) وهي ما احتمل الوصية وغيرها، كقوله: عينت له هذا أو عبدي هذا له، كالبيع بل أولى".

        وفي شرح المنتهى: "(وتصح) الوصية (مطلقة) كوصيت لفلان بكذا، (و) تصح (مقيدة) كإن مت في مرضي أو عامي هذا فلزيد كذا; لأنه تبرع يملك تنجيزه فملك تعليقه كالعتق".

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية