الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        فرع مشروعية المبادرة بالوصية :

        عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" .

        (أي: ما الحزم أو المعروف من الأخلاق إلا هذا فقد يفجؤه الموت)، وفي حاشية الجمل:

        "(قوله: ما حق امرئ مسلم... إلخ) "ما" بمعنى "ليس"، وقوله: "يبيت ليلتين" صفة ثانية لامرئ، و "يوصي فيه" صفة "شيء" أن يمضي عليه زمان، وإن كان قليلا إلا ووصيته مكتوبة، أقول في تخصيص الليلتين تسامح [ ص: 201 ] في إرادة المبالغة، أي: لا ينبغي أن يبيت ليلتين، وقد سامحناه في هذا المقدار، فلا ينبغي أن يتجاوز عنه. شرح المصابيح للطيبي ا.ه.

        وفي المدابغي على التحرير قوله: يبيت ليلتين، وفي رواية: ليلة، أو ليلتين، وفي رواية: يبيت ثلاث ليال، وكأن الليلتين والثلاث ذكرا لرفع الحرج; لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إليها فيفسح له في هذا القدر، واختلاف الروايات فيه دال على أنه للتقريب لا للتحديد، والمعنى لا يمضي عليه زمان، وإن كان قليلا من لدن وجد الشيء الذي يوصي فيه، أو من إرادة الوصية، احتمالان. إلا ووصيته مكتوبة، وفيه إشارة إلى اغتفار هذا الزمن اليسير، وكأن الثلاثة غاية للتأخير، وقد سامحناه في الليلتين والثلاث، فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك.

        (قوله: ما حق امرئ مسلم) قال الطيبي ، والكرماني : "ما" نافية، و "حق" اسمها، و "له شيء" صفة "مسلم" ويوصي تقديره: آمنا، أو ذاكرا، وقال ابن المتين : موعوكا، والأول أولى; لأن استحباب الوصية لا يختص بالمرض.

        وقوله: ومفعول "يبيت" لعل حقه أن يقال: وخبر "يبيت" محذوف... إلخ، كما لا يخفى.

        (قوله: يبيت ليلتين) أي: من بلوغه، أو إسلامه إن كان كافرا، فتلخص من هذا أن الاحتمالات خمسة: هذان، والثلاثة المتقدمة، وهي من إرادته للوصية، أو من وجدانه ما يوصي، أو موعوكا ومريضا، تأمل.

        [ ص: 202 ] [ ص: 203 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية