الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        فرع:

        وأجابوا عن حديث: "لا وصية لوارث" بأنه خبر آحاد، لا يفيد إلا الظن، ولا يصح أن يكون ناسخا للآية الكريمة التي تفيد القطع.

        وتأولوه على أن معناه لا وصية لوارث في الثلثين، بمعنى أنه يجوز له أن يوصي له في الثلث، ولا يوصي له في الثلثين الباقيين الزائدين على الثلث.

        [ ص: 512 ] ورد هذا بما يلي:

        أولا: الحديث قال غير واحد: إنه متواتر لفظا، وقال بعضهم: إنه متواتر معنى، وعلى تقدير عدم تواتره، فلا مانع من نسخ الآية بخبر الآحاد; لأن كلا منهما وحي من الله، كما قال تعالى: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى

        ولأن المنسوخ هو المعنى والمدلول، وهو ظني أيضا، فهو من باب نسخ الظني بالظني; لأن دلالة الآية على معناها ظنية، وإن كانت ألفاظها قطعية، لكن المنسوخ معناها ومدلولها، وهو ظني; لقاعدة: أن دلالة العام على أفراده ظنية.

        وأما حمل الحديث على أن معناه: لا وصية لوارث في الثلثين الزائدين، فهو ضعيف.

        وذلك أن قوله: صلى الله عليه وسلم: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" نص في أن المقصود: لا وصية لوارث بشيء زائد على حقه; لئلا يأخذ بالوصية أكثر من حقه، فيؤدي هذا إلى تغيير نصيبه المقدر له شرعا، كما يؤدي إلى الإضرار بالورثة.

        الثاني: الحديث ظاهر وصريح في أن الوصية الممنوعة للوارث هي الوصية في الثلث; لأنه المعنى المتبادر للفهم عند سماع هذا الكلام، ولأن الوصية في الثلثين، أي: فيما زاد على الثلث، ممنوعة للوارث وغيره عند بعض العلماء، من قوله صلى الله عليه وسلم: "الثلث والثلث كثير" ، فلا فائدة من النص [ ص: 513 ] على منعها للوارث وحده، مع ما في ذلك من إيهام جوازها في غير الوارث بدلالة المفهوم، ولأن الوصية عند سماعها تنصرف للوصية بشيء غير الميراث ولو يسيرا، فحملها على الوصية له بأكثر من الثلث لتكون وصية له في الثلثين تحريف للنص لا دليل عليه.

        والاستدلال له بزيادة: "إلا أن يشاء الورثة" بدعوى أن حق الورثة في الثلثين خاصة، فلما جعل الخيار لهم دل على أن الوصية الممنوعة هي الوصية له في الثلثين هو استدلال غير صحيح.

        أولا: لأنها غير صحيحة.

        ثانيا: لا يسلم أنه لا حق للورثة في غير الثلثين، بل من حقهم أن لا يفضل عليهم بشيء.

        ثالثا: الوصية في الحديث نكرة في سياق النفي، وهي نص في العموم لبنائها على الفتح، فتعم الوصية بالثلث وبأقل وبأكثر، وكل ذلك لا يجوز للوارث إلا برضا الورثة.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية