الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثالث: القبول

        القبول في اللغة: مأخوذ من قبلت الهدية، أي: أخذتها.

        المراد بقبول الوصية : كل ما يشعر بتملك الوصية، وقبول الأمر بالتصرف.

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: حكمه:

        الوصية إما أن تكون لغير معين كالفقراء والمساكين، أو لمعين كمحمد [ ص: 237 ] وزيد، فإن كانت لغير معين فإنها تنعقد بالإيجاب وحده، ولا تفتقر إلى قبول; لتعذره من غير معين.

        وإذا كان الأمر كذلك، فلا يتصور والحالة هذه اتصال بين الإيجاب والقبول.

        أما إذا كانت الوصية لمعين، فقد اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في اشتراط القبول لها على قولين:

        القول الأول: أن الوصية عقد يشترط لصحته الإيجاب والقبول.

        وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة .

        القول الثاني: أن الوصية عقد يشترط لصحته الإيجاب دون القبول.

        وبهذا قال زفر من الحنفية .

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (اشتراط القبول): استدل القائلون باشتراط الإيجاب والقبول لعقد الوصية بالأدلة الآتية:

        1 - قول الله تعالى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى

        [ ص: 238 ] وجه الاستدلال من الآية: أن ظاهرها يدل على أن الإنسان لا يكون له شيء بدون سعيه، فلو ثبت الملك للموصى له من غير قبول لثبت من غير سعيه، وهذا منفي إلا ما خص بدليل.

        2 - أن القول بثبوت الملك للموصى له من غير قبوله يؤدي إلى الإضرار به من وجهين:

        أحدهما: أنه يلحقه ضرر المنة؛ ولهذا توقف ثبوت الملك للموهوب له على قبوله؛ دفعا لضرر المنة.

        الثاني: أن الموصى به قد يكون شيئا يتضرر به الموصى له كالعبد الأعمى والزمن والمقعد، ونحو ذلك، فلو لزمه الملك من غير قبوله للحقه الضرر من غير إلزامه، أو الزام من له ولاية الإلزام; إذ ليس للموصي ولاية إلزام الضرر.

        3 - قياس الوصية على البيع والهبة بجامع أنها تمليك مال لمعين، فاعتبر قبوله.

        دليل القول الثاني: (عدم اشتراط القبول):

        استدل القائلون بعدم اشتراط القبول في الوصية :

        بقياس ملك الموصى له للوصية على ملك الوارث للتركة، بجامع أن كلا الملكين ينتقل بالموت، وبما أن ملك الوارث لا يفتقر إلى قبوله، فكذلك ملك الموصى له.

        ونوقش: هذا القياس بوجود الفارق بين الملكين، فالوارث ملك التركة [ ص: 239 ] بإلزام من له ولاية الإلزام، وهو الله تبارك وتعالى، فدخلت التركة ملكه من غير قبول، وهذا الإلزام غير موجود في الوصية، فافتقرت إلى قبول الموصى له.

        الترجيح:

        الراجح لي - والله أعلم -: القول باشتراط القبول إن كانت الوصية لمعين; وذلك لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول، وضعف دليل القول المخالف.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية