الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث العاشر: الشرط العاشر، استقرار حياة الموصي

        تحرير محل النزاع:

        أولا: إذا قاربت روح الإنسان بلوغ الحلقوم لم تصح وصيته بالاتفاق.

        قال النووي : "ومعنى (بلغت الحلقوم): بلغت الروح، والمراد قاربت بلوغ الحلقوم; إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته ولا صدقته ولا شيء من تصرفاته باتفاق الفقهاء"

        ثانيا: المجروح الذي لم تنفذ مقاتله، والمرضى الميؤوس من حياتهم، فلا خلاف بين العلماء في صحة وصاياهم ما دام أن الموصي تام التمييز والإدراك عند الوصية; ودليل ذلك قوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف

        لكن إذا كان الموصي منفوذ المقاتل كلها أو بعضها، فللعلماء في ذلك قولان:

        القول الأول: أنه شرط صحة، وأن وصية منفوذ المقاتل صحيحة إذا كان تام الوعي والإدراك.

        وحجته:

        (168) 1 - ما رواه البخاري من طريق عمرو بن ميمون ، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام بالمدينة ، وقف على حذيفة بن [ ص: 405 ] اليمان ، وعثمان بن حنيف ...قال: إني لقائم ما بيني وبينه، إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين، قال: استووا... فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني - أو أكلني - الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين، لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا... وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه... وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه، فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال، فولجت داخلا لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين استخلف، قال: ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر، أو الرهط، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى عليا ، وعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وسعدا ، وعبد الرحمن ، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر ، وليس له من الأمر شيء - كهيئة التعزية له - فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز، ولا خيانة، وقال: أوصي الخليفة من بعدي، بالمهاجرين الأولين، أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا، والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدو، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم. وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أموالهم، ويرد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم، فلما قبض خرجنا به" .

        [ ص: 406 ] فإجماع الصحابة على صحة وصية عمر رضي الله عنهم بعد ما طعنه أبو لؤلؤة ، وأنفذ مقاتله.

        2 - وضرب الخارجي عليا على رأسه، وأيس من حياته، وأوصى.

        3 - أنه من الأحياء، تجرى عليه أحكام الحياة، يرث ويورث، ويوصى له ويوصي، ويقتص ممن أجهز عليه، إلى غير ذلك.

        القول الثاني: أنه لا تصح وصيته.

        وحجته: أنه من الأموات، لا يرث، ولا يوصي، ولا يوصى له، ولا يقتص ممن أجهز عليه.

        والمقاتل المتفق عليها هي:

        1 - انتثار الدماغ وانتشاره.

        2 - قطع الودجين، وهما عرقان في صفحة العنق.

        3 - انتشار الحشوة.

        4 - انقطاع النخاع، وهو المخ الذي في عظام الرقبة والصلب.

        5 - خرق أعلى المصران في مجرى الطعام والشراب.

        واختلف في اندقاق العنق من غير أن يقطع النخاع، وفي انشقاق الأوداج من غير قطع.

        والأقرب: أنه يرجع إلى مثل هذه المسائل إلى اختلاف الزمان والمكان; لترقي الطب في وقتنا الحاضر.

        [ ص: 407 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية