الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        فرع الوصية على وفق القياس :

        ذكر الحنفية : أن الوصية على خلاف القياس; لما فيه من صرف التركة عن أهلها; ولأنها تمليك مضاف لما بعد الموت، والموت مانع من الملك، مزيل له، فلا يتصور وقوع التصرف بعد الموت.

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وحيث علمنا أن النص جاء بخلاف قياس; علمنا قطعا أنه قياس فاسد، بمعنى أن صورة النص امتازت عن تلك الصور التي يظن أنها مثلها بوصف أوجب تخصيص الشارع لها بذلك الحكم، فليس في الشريعة ما يخالف قياسا صحيحا، لكن فيها ما يخالف القياس الفاسد، وإن كان من الناس من لا يعلم فساده".

        قال ابن القيم : "وسألت شيخنا -قدس الله روحه- عما يقع في كلام كثير من الفقهاء من قولهم: هذا خلاف القياس; لما ثبت بالنص، أو قول الصحابة، أو بعضهم: وربما كان مجمع عليه، كقولهم: طهارة الماء إذا وقعت فيه نجاسة على خلاف القياس... والقرض، وصحة صوم الآكل الناسي، والمضي في الحج الفاسد، كل ذلك على خلاف القياس، فهل ذلك صواب أم لا؟ [ ص: 64 ] فقال: ليس في الشريعة ما يخالف القياس، وأنا أذكر ما حصلته من جوابه بخطه ولفظه:

        أصل هذا أن تعلم أن لفظ القياس لفظ مجمل يدخل فيه القياس الصحيح والفاسد، والصحيح هو الذي وردت به الشريعة، وهو الجمع بين المتماثلين والفرق بين المختلفين، فالأول: قياس الطرد، والثاني: قياس العكس، وهو من العدل الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، فالقياس الصحيح مثل أن تكون العلة التي علق بها الحكم في الأصل موجودة في الفرع من غير معارض في الفرع يمنع حكمها، ومثل هذا القياس لا تأتي الشريعة بخلافه قط، وكذلك القياس بإلغاء الفارق، وهو أن لا يكون بين الصورتين فرق مؤثر في الشرع، فمثل هذا القياس أيضا لا تأتي الشريعة بخلافه، وحيث جاءت الشريعة باختصاص بعض الأحكام بحكم يفارق به نظائره، فلا بد أن يختص ذلك النوع بوصف يوجب اختصاصه بالحكم، ويمنع مساواته لغيره، لكن الوصف الذي اختص به ذلك النوع قد يظهر لبعض الناس، وقد لا يظهر، وليس من شرط القياس الصحيح أن يعلم صحته كل أحد، فمن رأى شيئا من الشريعة مخالفا للقياس، فإنما هو مخالف للقياس الذي انعقد في نفسه ليس مخالفا للقياس الصحيح الثابت في نفس الأمر، وحيث علمنا أن النص ورد بخلاف قياس علمنا قطعا أنه قياس فاسد، بمعنى أن صورة النص امتازت عن تلك الصور التي يظن أنها مثلها بوصف أوجب تخصيص الشارع لها بذلك الحكم، فليس في الشريعة ما يخالف قياسا صحيحا، ولكن يخالف القياس الفاسد، وإن كان بعض الناس لا يعلم فساده".

        [ ص: 65 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية