الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الثالث: تقديم الدين على الوصية

        الترتيب في التنفيذ بين الدين والوصية والميراث :

        قال تعالى بعد أن بين أنصباء بعض الورثة:

        من بعد وصية يوصي بها أو دين ، وقال بعد أن بين أنصباء بعض آخر منهم: من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم ، فعلم أن هذه الأنصباء إنما يستحقها أصحابها بعد الوصية والدين، وهذا دليل على تأخر الميراث في التنفيذ عن الوصية والدين.

        وكما تؤخر المواريث في التنفيذ عنهما وتؤخر الوصية عن الدين، فإن استغرق الدين جميع التركة بطل حق الموصى له وحق الوارث، وإن فضل بعده شيء أخرجت الوصية من ثلث ما فضل، وقسم الباقي بين الورثة على حسب مواريثهم.

        (18) ما رواه الترمذي من طريق الحارث ، عن علي رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وأنتم تقرؤون الوصية قبل الدين" .

        [ ص: 96 ] قال الترمذي : "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أنه يبدأ بالدين قبل الوصية"، وقال تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها والدين أمانة في ذمة المدين يجب عليه أن يؤديه، فكان مقدما على الوصية.

        [ ص: 97 ] قال ابن حزم : "اتفقوا أن المواريث التي ذكرنا إنما هي فيما أفضلت الوصية الجائزة، وديون الناس الواجبة، فإن فضلت بعد الديون شيء وقع الميراث بعد الوصية كما ذكرنا، واتفقوا أن الوصية لا تجوز إلا بعد أداء ديون الناس، فإن فضل شيء جازت الوصية، وإلا فلا".

        وأما تقديم الوصية على الدين في الذكر، فنقول:

        إن "أو" للتفريع لا للترتيب، وقد دل الحديث المتقدم المروي عن علي رضي الله عنه، وما ذكره الترمذي من اتفاق الأمة على العمل به، على تقديم الدين على الوصية، ومعلوم أن السنة مبينة ومفسرة للقرآن، وقدمت الوصية في التلاوة على الدين لأمور، منها:

        أولا: أن الوصية يأخذها الموصى له بغير عوض، فكان إخراجها شاقا على نفوس الورثة، مظنة أداؤها للتفريط فيها، بخلاف الدين فإن نفوس الورثة مطمئنة إلى أدائه; فلذلك قدمت في التلاوة؛ بعثا لهم على أدائها، وترغيبا لهم في إخراجها.

        ثانيا: ولأنها حظ فقير ومسكين غالبا، والدين حظ غريم يطلبه بقوة وله مقال.

        (19) لما رواه البخاري ومسلم من طريق شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ سنا، فجاء صاحبه يتقاضاه، فقالوا له، فقال: "إن لصاحب الحق مقالا"، ثم قضاه أفضل من سنه، وقال: "أفضلكم أحسنكم قضاء" فقدمت لذلك.

        [ ص: 98 ] ثالثا: ولأن الوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه، فقدمت تحريضا على العمل بها بخلاف الدين، فإنه ثابت بنفسه مطلوب أداؤه، سواء أوصى به أو لم يوص به.

        رابعا: ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على الدين; لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين، فإنه إنما يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط، فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل.

        [ ص: 99 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية