الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثالث: من تشمله الوصية إذا كانت لمعدوم

        هذا يختلف باختلاف لفظ الموصي، وصيغة الوصية، وتحت هذا أقسام:

        القسم الأول: أن تكون بلفظ مشعر بقصرها على الأول، كأن يوصي [ ص: 413 ] لأول ولد يكون لزيد، فإن الوصية تختص بالأول، ولا يشاركه فيه غيره مما يولد بعد، عملا بشرط الموصي.

        فإن ولدت توءمين فهي لأولهما خروجا عملا بلفظ الوصية، وإن جهل السابق منهما، فهي بينهما قياسا على من أعتق أول مولود تلده جاريته فولدت توءمين.

        ويحتمل أن يقرع بينهما.

        وإذا ولد الأول ميتا، فاختلف العلماء على ثلاثة أقوال للمالكية :

        القول الأول: أنه ينظر إلى القرائن؛ فإن كان هناك قرينة على إرادة الموصي للأول فلا شيء للثاني، وإن كانت هناك قرينة بانتظار الثاني استحق الوصية.

        القول الثاني: أن الوصية تبطل قياسا على من أوصى لحمل معين، فإن الوصية تبطل بموته ولا تكون لمن بعده.

        القول الثالث: أنها صحيحة، وتكون للثاني إن ولد حيا اعتبارا بقصد الموصي.

        والقول الأول هو الأقرب; لما فيه من الجمع بين الأقوال، ومراعاة مقصود الموصي.

        سبب الخلاف: هل العبرة بالقصد، أو باللفظ في الوصايا؟.

        القسم الثاني: أن يكون لفظ الموصي مشعرا بإرادة الثاني، وهكذا، كأن يقول: لمن يولد لفلان، فإنه يدخل في ذلك الحمل الثابت حين الوصية ومن [ ص: 414 ] يولد في المستقبل; بدليل الوقوف مع لفظ الموصي; فإن "من" الموصولة للعموم، ولأن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأزمان.

        ولا يدخل في الوصية من كان مولودا قبلها؛ عملا بمفهوم المخالفة، فإنه يقتضي عدم دخولهم.

        القسم الثالث: أن تكون بلفظ من سيوجد، فتشمل كل مولود مستقبل، ولا يدخل الحمل الموجود، وقوفا مع لفظ: "سيوجد"، فإنه مضارع مقرون بحرف التنفيس، وهو للمستقبل دون الحال، إلا أن تكون هناك قرينة أو قصد الموصي دخوله فإنه يدخل.

        القسم الرابع: أن تكون بلفظ: "ولد فلان" فله أحوال:

        الأول: أن يكون لفلان وقت الوصية ولد، أو حمل، فللعلماء قولان:

        القول الأول: أنه يختص بالموجود.

        وحجته: أن الإضافة في قوله: ولد فلان للعهد، والمعهود هو الحمل الثابت والولد الموجود.

        القول الثاني: أنه تشمل الموجود ومن يوجد.

        وحجته: أن الإضافة في قوله: "ولد فلان" للعموم، فيشمل الموجود والمنتظر.

        القول الثالث: أن الوصية تكون لمن كان موجودا يوم وفاة الموصي، ولو ولد بعد الوصية.

        [ ص: 415 ] وحجته: أنه يشترط وجود الموصى له غير المعين يوم وفاة الموصي لا يوم الوصية.

        والراجح: أن يقال: إنه يشمل الموجود، ومن سيوجد، ولأن المفرد المضاف للمعرفة للعموم حتى يتحقق عهد، ولأن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأزمان.

        الحال الثانية: ألا يكون له ولد ولا حمل حين الوصية، فلا يخلو من أمور:

        الأمر الأول: أن يكون الموصي عالما بعدم الولد والحمل، كما لو أوصى لولد بنته وهي صبية، فهذا ينبني على حكم الوصية للمعدوم استقلالا، وقد تقدم الخلاف فيه، وأنها صحيحة، ويدخل في ذلك كل من يولد مستقبلا للموصي لولده; لعموم لفظ الولد; ولأنه لما علم عدم الولد كان ذلك قرينة على قصد نفع الذرية جميعا.

        الأمر الثاني: أن يظن وجود الموصى له: كأن يوصي لابن بنته ويظن أن لها ولدا، فلا تصح الوصية، كما لو أوصى لشخص يظنه حيا فإذا هو ميت، ما لم تكن قرينة على خلاف ذلك.

        الأمر الثالث: أن يجهل الحال ولم يعلم هل كان الموصي يعلم عدم الموصى له أو يظن وجوده؟ ففي مثل هذه الحال يرجع للقرائن، فإن دلت القرينة أنه يعلم عدم الولد فتصح، وإن دلت على أنه يظن وجوده ولم يوجد فتبطل.

        الحال الثالثة: أن يوصي لأولاد فلان بأسمائهم، أو بالإشارة إليهم فيختصون بها.

        * * *

        [ ص: 416 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية