الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الخامس: الوصية للحيوان:

        وتحته مسائل:

        المسألة الأولى: مشروعيتها:

        اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الوصية للحيوان على أقوال:

        القول الأول: أنها صحيحة إذا لم يقصد تمليك البهيمة.

        وهو مذهب الحنابلة .

        القول الثاني: إن قصد تمليك البهيمة، أو أطلق فلا تصح، وإن وصى في علفها فصحيحة.

        وهو مذهب الشافعية ، وظاهر قول الحنفية .

        [ ص: 474 ] جاء في الفتاوى الهندية: "ولو أوصى لفرس فلان ينفق عليه كل شهر عشرة، فالوصية لصاحب الفرس".

        القول الثالث: بطلان الوصية للحيوان.

        وهو قول المالكية ، وفي قول لهم: لا تصح الوصية لبهيمة لا منفعة لآدمي فيها، جاء في منح الجليل: "لا لبهيمة لا منفعة فيها لآدمي"، فظاهره: صحة الوصية لبهيمة فيها منفعة للآدمي.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        استدل لهذا القول بما يلي:

        1 - عمومات أدلة الوصية.

        (176) 2 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا، فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له "، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: "في كل كبد رطبة أجر" .

        (177) 3 - وما رواه مسلم من طريق هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة [ ص: 475 ] رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها فغفر لها" .

        4 - أنه إذا قال: أوصيت لهذه الدابة فإن هذا تمليك، وهي ليست من أهل التمليك.

        ونوقش: بأن اشتراط تمليك الموصى له غير مسلم به، وأيضا فإن تمليك كل شيء بحسبه.

        دليل القول الثاني: (التفصيل):

        1 - أن الوصية تمليك، والبهيمة ليست من أهل التمليك.

        2 - أنه إذا قال: أوصيت لينفق على هذه الدابة صحت الوصية; لعدم التمليك هنا، وإنما نفع لهذه الدابة.

        دليل القول الثالث: (البطلان):

        أن الحيوان ليس أهلا للتمليك.

        وتقدمت مناقشته.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم -: ما ذهب إليه القائلون بالصحة; لأن التبرع بالمال عن طريق الوصية فعل خير، والأصل أن يكثر منه، ويحث عليه.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية