الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب السادس: إجازة الورثة الوصية لوارث

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: حكم الإجازة، وتكييفها :

        تقدم أن الوصية لوارث تتوقف على إجازة باقي الورثة واعتبارها شرطا في نفوذ الوصية، فإن أجازوها جازت، وإن ردوها ردت، وإن أجازها [ ص: 542 ] بعضهم دون بعض، فمن أجاز لزمته الإجازة في نصيبه، ومن ردها لم يلزمه شيء، كما هو قول الجمهور، وتقدم قول ابن حزم رحمه الله.

        واختلف القائلون بصحة الوصية إذا أجازها الورثة في تفسير هذه الإجازة، وتكييفها على قولين:

        القول الأول: أنها تنفيذ لوصية الموصي، وأنها بمثابة ترك حقهم في الرد.

        وهو مذهب الحنفية ، وبعض المالكية ، والأصح عند الشافعية ، ومذهب الحنابلة .

        وحجته: أنه تصرف صادف الملك، وحق الوارث إنما يثبت في ثاني الحال، فأشبه الشقص المشفوع، وأنه لا خلاف أنه لو وهب أو أعتق ثم برأ صح.

        القول الثاني: أنها ابتداء عطية من الورثة للموصى له.

        وهو المشهور في مذهب مالك ، وقول عند الشافعية .

        وحجته: أن الوصية للوارث منهي عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.

        سبب الخلاف: الخلاف في صحة الوصية للوارث وبطلانها، فمن رآها صحيحة قال: هي تنفيذ للوصية، ومن رآها باطلة قال: هي ابتداء عطية; لأن وصية الميت بطلت، وجعل بعضهم الخلاف غير مبني على ذلك.

        [ ص: 543 ] ثمرة الخلاف:

        1 - من قال: الإجازة تنفيذ، قال: يكفي أن يقول الورثة: أجزنا الوصية، أو أمضيناها، ونحو ذلك، ومن قال: ابتداء عطية، قال: لا بد من إنشاء عقد هبة جديد بصيغة العطية.

        2 - أنه على القول بأنها مجرد تنفيذ للوصية لا يشترط القبول بعد الإجازة ويكفي القبول الأول للوصية، وعلى أنها ابتداء عطية لا بد من تجديد القبول.

        واختار بعض متأخري المالكية : أن هذا الشرط لا حاجة إليه; لأن الحيازة تنوب عنه إلا أن الأظهر اشتراطه، فإنه قد تكون الوصية بيد الموصى له قبل إجازة الورثة إذا كانت بمعين، كدار يسكنها، أو أرض يحرثها أوصي له بهما، فإن هذا الحوز لا يغني عن القبول بعد الإجازة، فإذا أجاز الورثة ولم يحصل منه ما يدل على القبول حتى حصل مانع، فإن الوصية تبطل على المشهور عند المالكية ، ومن قال: إنها ابتداء عطية هي بمثابة هبة الوديعة والعارية لمن يحوزهما في يده، ولم يقبل حتى مات الواهب أو فلس، فإن الهبة تبطل فيهما.

        3 - أنه على القول: تنفيذ: لا حاجة للقبض، وعلى أنها ابتداء عطية: لا بد فيها من القبض معاينة كالهبة.

        ومن هنا اختلف إذا كان الوارث لا دين عليه، وأجاز الوصية ولم يقبضها الموصى له حتى استدان الوارث، أو مات،

        [ ص: 544 ] فقال مالك: غرماء الوارث وورثته أحق بالوصية; لأنها هبة لم تجز، وقال أشهب: تنفذ الوصية بناء على أن الإجازة تنفيذ.

        4 - على القول بأنها تنفيذ: لا حق للغرماء في منعه من الإجازة; لأنه لم يعط شيئا، وعلى أنها ابتداء عطية يكون للغرماء الحق في منعه من الإجازة; لأنه محجور عليه، ممنوع من التبرع بماله.

        5 - أن من رآها إجازة قال: لا تعتصر، ومن رآها ابتداء عطية قال: يجوز اعتصارها، كما لو أوصت زوجة لولدها من زوجها، فأجاز الزوج الوصية، ثم أراد اعتصارها من ولده بصفته أبا له، فعلى الأول لا حق له، وعلى الثاني له الحق في ذلك.

        6 - أنه إذا أوصى بوقف عقار له على ورثته أجازه الورثة، فالوقف صحيح بناء على أنها تنفيذ، وباطل على القول أنها ابتداء عطية; لأنه تحبس من الورثة على أنفسهم، ولا يصح الوقف على النفس عند القائلين بمنعه.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية