الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني: الفرق بين الوصية والعطية

        الهبة في مرض الموت المخوف اصطلح كثير من العلماء على تسميتها عطية، وهي تشارك الوصية في معظم الأحكام، وتفارقها في أمور تعود غالبا إلى نفس المعطي.

        فمن الموافقات بين العطية في مرض الموت والوصية ما يلي:1 - أنه لا تجوز بأكثر من الثلث، إلا بإجازة الورثة كالوصية.

        2 - أنها لا تجوز لوارث، إلا بإجازة الورثة كالوصية.

        3 - أن فضيلتها أنقص من الصدقة:

        (16) فقد روى البخاري ومسلم من طريق أبي زرعة ، حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، [ ص: 85 ] ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان" .

        4 - أنها تتزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة كتزاحم الوصايا فيها.

        مثال ذلك: شخص في مرض موته وهب لزيد عشرة آلاف، ولعمرو عشرين ألفا، ولبكر ثلاثين ألفا، وماله تسعون ألفا، فيتزاحمون في الثلث بالقسط.

        وطريق ذلك: أن نجمع العطايا، ثم ننسب مجموع الثلث إلى مجموع العطايا، ثم يعطى كل واحد من عطيته بمقدار تلك النسبة.

        ففي المثال: نسبة الثلث إلى مجموع العطايا النصف، فيعطى كل واحد نصف عطيته، فلزيد خمسة، ولعمرو عشرة، ولبكر خمسة عشر ألفا.

        5 - أن خروجها من الثلث معتبر حال الموت، لا قبله ولا بعده كالوصية.

        ومن الفروق:

        1 - أن المعطي لا يملك الرجوع في العطية بعد لزوم العطية; لأنها لازمة في حقه، بخلاف الوصية فإنه يملك الرجوع فيها; لأنها لا تلزم إلا بعد الموت.

        2 - أن قبولها في حال حياة المعطي وكذلك ردها، والوصايا لا حكم لقبولها، ولا ردها إلا بعد الموت; لأن العطية تصرف في الحال، فتعتبر شروطه وقت وجوده، والوصية تبرع بعد الموت، فتعتبر شروطه بعد الموت.

        [ ص: 86 ] 3 - أن الملك يثبت في العطية من حينها، ويكون الملك مراعى في بناء أحكامه عليه، فإذا خرجت العطية من الثلث تبينا أن الملك كان ثابتا من حين الإعطاء، فلو أعطى في مرضه عبده وكسب في حياة سيده، ثم مات السيد فإن كسبه يكون للمعطى، بخلاف الوصية فإن الملك لا يثبت فيها إلا بعد الموت.

        4 - أنه يسوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية; لأنه تبرع بعد الموت يوجد دفعة واحدة، بخلاف العطية فإنه يبدأ بالأول فالأول؛ لوقوعها لازمة.

        مثال ذلك: إذا وصى شخص لزيد بخمسة آلاف، ولعمرو بعشرة آلاف، ولبكر بخمسة وعشرين ألف ريال، وثلثه عشرون ألف ريال لا يتسع لجميع هذه الوصايا، فتتزاحم في الثلث بأن يوزع الثلث عليهم بالقسط.

        وطريق ذلك: أن ننسب مجموع الثلث إلى مجموع الوصايا، ثم يعطى كل واحد من وصيته بمقدار تلك النسبة...

        5 - أن المعطي إذا مات قبل أن يقبض المعطى له العطية المنجزة كانت الخيرة للورثة، إن شاؤوا أقبضوا وإن شاؤوا منعوا، أما الوصية فتلزم بالقبول بعد الموت بغير رضاهم.

        6 - أن الوصية تصح في المعدوم، والمجهول، والمعجوز عن تسليم، بخلاف العطية، على خلاف يأتي.

        7 - أن الوصية تصح من غير الرشيد; إذ لا ضرر عليه; لأنها تبرع لا يلزم إلا بعد الموت بخلاف العطية.

        8 - أن الوصية يستحب أن تكون بقدر معلوم، بخلاف العطية.

        9 - أن العطية تجوز في المدبر، بخلاف الوصية.

        [ ص: 87 ] 10 - أن الوصية تكون بالمال، وفي الحقوق، كما لو أوصى بالنظارة على وقفه، أو أولاده الصغار، أو تغسيله، ونحو ذلك.

        11 - أن العطية تقدم على الوصية عند جمهور العلماء; لأن العطية لازمة في حق المريض، فقدمت على الوصية كعطية الصحة، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا تقدم إلا في العتق; لأن العتق يتعلق بحق الله تعالى، ويسري وينفذ في ملك الغير فيجب تقديمه.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية