الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (88) قوله : وكذلك ننجي : الكاف نعت لمصدر أو حال من ضمير المصدر. وقرأ العامة "ننجي" بضم النون الأولى وسكون الثانية من أنجى ينجي. وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم "نجي" بتشديد الجيم وسكون الياء. وفيها أوجه، أحسنها: أن يكون الأصل "ننجي" بضم الأولى وفتح الثانية وتشديد الجيم، فاستثقل توالي مثلين، فحذفت الثانية، كما حذفت في قوله "ونزل الملائكة" في قراءة من قرأه كما تقدم، وكما حذفت التاء الثانية في قوله "تذكرون و "تظاهرون" وبابه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن أبا البقاء استضعف هذا التوجيه بوجهين فقال: "أحدهما: أن النون [ ص: 192 ] الثانية أصل، وهي فاء الكلمة فحذفها يبعد جدا. والثاني: أن حركتها غير حركة النون الأولى، فلا يستثقل الجمع بينهما بخلاف "تظاهرون " ألا ترى أنك لو قلت: "تتحامى المظالم" لم يسغ حذف الثانية".

                                                                                                                                                                                                                                      أما كون الثانية أصلا فلا أثر له في منع الحذف، ألا ترى أن النحويين اختلفوا في إقامة واستقامة: أي الألفين المحذوفة؟ مع أن الأولى هي أصل لأنها عين الكلمة. وأما اختلاف الحركة فلا أثر له أيضا; لأن الاستثقال باتحاد لفظ الحرفين على أي حركة كانا.

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني: أن "نجي" فعل ماض مبني للمفعول، وإنما سكنت لامه تخفيفا، كما سكنت في قوله: "ما بقي من الربا" في قراءة شاذة تقدمت لك. قالوا: وإذا كان الماضي الصحيح قد سكن تخفيفا فالمعتل أولى، فمنه:


                                                                                                                                                                                                                                      3357 - إنما شعري قيد قد خلط بجلجلان



                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكرت منه جملة صالحة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأسند هذا الفعل إلى ضمير المصدر مع وجود المفعول الصريح [ ص: 193 ] كقراءة أبي جعفر "ليجزى قوما بما كانوا يكسبون" وهذا رأي الكوفيين والأخفش. وقد ذكرت له شواهد فيما مضى من هذا التصنيف، والتقدير: نجي النجاء. قال أبو البقاء: "وهو ضعيف من وجهين، أحدهما: تسكين آخر الفعل الماضي، والآخر إقامة المصدر مع وجود المفعول الصريح". قلت: عرفت جوابهما مما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثالث: أن الأصل: ننجي كقراءة العامة، إلا أن النون الثانية قلبت جيما، وأدغمت في الجيم بعدها. وهذا ضعيف جدا; لأن النون لا تقارب الجيم فتدغم فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الرابع: أنه ماض مسند لضمير المصدر أي: نجي النجاء كما تقدم في الوجه الثاني، إلا أن "المؤمنين" ليس منصوبا بنجي بل بفعل مقدر، وكأن صاحب هذا الوجه فر من إقامة غير المفعول به مع وجوده، فجعله من جملة أخرى.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه القراءة متواترة، ولا التفات على من طعن على قارئها، وإن كان أبو علي قال: "هي لحن". وهذه جرأة منه قد سبقه إليها أبو إسحاق الزجاج . وأما الزمخشري فلم يطعن عليها، إنما طعن على بعض الأوجه التي قدمتها فقال: "ومن تمحل لصحته فجعله فعل وقال: نجي النجاء [ ص: 194 ] المؤمنين، فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره ونصب المؤمنين، فتعسف بارد التعسف". قلت: فلم يرتض هذا التخريج بل للقراءة عنده تخريج آخر. وقد يمكن أن يكون هو الذي بدأت به لسلامته مما تقدم من الضعف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية