الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (4) قوله : كتب عليه أنه : قرأ العامة "كتب" مبنيا للمفعول وفتح "أن" في الموضعين. وفي ذلك وجهان، أحدهما: أن الضمير وما في حيزه في محل رفع لقيامه مقام الفاعل. فالهاء في "عليه" وفي "أنه" [ ص: 228 ] يعودان على "من" المتقدمة. و "من" الثانية يجوز أن تكون شرطية والفاء جوابها، وأن تكون موصولة، والفاء زائدة في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط. وفتحت "أن" الثانية لأنها وما في حيزها في محل رفع خبرا لمبتدأ محذوف، تقديره: فشأنه وحاله أنه يضله. أو يقدر "فأنه" مبتدأ، والخبر محذوف أي: فله أنه يضله.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: قال الزمخشري: "ومن فتح فلأن الأول فاعل "كتب"، والثاني عطف عليه". قال الشيخ: "وهذا لا يجوز; لأنك إذا جعلت "فأنه" عطفا على "أنه" بقيت "أنه" بلا استيفاء خبر، لأن "من تولاه" "من" فيه مبتدأة. فإن قدرتها موصولة فلا خبر لها حتى تستقل خبرا لـ "أنه". وإن جعلتها شرطية فلا جواب لها; إذ جعلت "فأنه" عطفا على "أنه".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: وقد ذهب ابن عطية - رحمه الله- إلى مثل قول الزمخشري فإنه قال: "وأنه" في موضع رفع على المفعول الذي: لم يسم فاعله و "أنه" الثانية عطف على الأولى مؤكدة مثلها". وهذا رد واضح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ "كتب" مبنيا للفاعل أي: كتب الله. فـ "أن" وما في حيزها في محل نصب على المفعول به، وباقي الآية على ما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأعمش والجعفي عن أبي عمرو "إنه" "فإنه" بكسر الهمزتين. وقال ابن عطية: "وقرأ أبو عمرو "إنه" "فإنه" بالكسر فيهما"، وهذا يوهم أنه [ ص: 229 ] مشهور عنه وليس كذلك. وفي تخريج هذه القراءة [640/أ] ثلاثة أوجه ذكرها الزمخشري وهي: أن تكون على حكاية المكتوب كما هو، كأنه قيل: كتب عليه هذا اللفظ، كما تقول: كتب عليه: إن الله هو الغني الحميد. الثاني أن يكون على إضمار "قيل". الثالث: أن "كتب" فيه معنى قيل. قال الشيخ: أما تقدير "قيل" يعني فيكون "عليه" في موضع مفعول ما لم يسم فاعله و "أنه من تولاه" الجملة مفعول لم يسم لـ قيل المضمرة. وهذا ليس مذهب البصريين فإن الجملة عندهم لا تكون فاعلا ولا تكون مفعول ما لم يسم فاعله" وكأن الشيخ قد اختار ما بدأ به الزمخشري أولا، وفيه ما فر منه: وهو أنه أسند الفعل إلى الجملة فاللازم مشترك. وقد تقدم تقرير مثل هذا في أول البقرة. ثم قال: "وأما الثاني يعني أنه ضمن "كتب" معنى القول فليس مذهب البصريين لأنه لا تكسر "إن" عندهم إلا بعد القول الصريح لا ما هو بمعناه".

                                                                                                                                                                                                                                      والضميران في "عليه" و "أنه" عائدان على "من" الأولى كما تقدم، وكذلك الضمائر في "تولاه" و "فأنه"، والمرفوع في "يضله" و "يهديه"; لأن "من" الأول هو المحدث عنه. والضمير المرفوع في "تولاه" والمنصوب في "يضله" و "يهديه" عائد على "من" الثانية. وقيل: الضمير في "عليه" لكل [ ص: 230 ] شيطان. والضمير في "فأنه" للشأن. وقال ابن عطية: "الذي يظهر لي أن الضمير الأول في "أنه" يعود على كل شيطان، وفي "فأنه" يعود على "من" الذي هو المتولي".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية