الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (76) قوله : ما إن مفاتحه : "ما" موصولة بمعنى الذي، [ ص: 693 ] صلتها "إن" وما في حيزها، ولهذا كسرت. ونقل الأخفش الصغير عن الكوفيين منع الوصل بـ "إن"، وكان يستقبح ذلك عنهم. يعني لوجوده في القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "لتنوء بالعصبة" فيه وجهان، أحدهما: أن الباء للتعدية كالهمزة، ولا قلب في الكلام. والمعنى: لتنيء المفاتيح العصبة الأقوياء، كما تقول: أجأته وجئت به، وأذهبته وذهبت به. ومعنى ناء بكذا: نهض به بثقل. قال:


                                                                                                                                                                                                                                      3626 - تنوء بأخراها فلأيا قيامها وتمشي الهوينى عن قريب فتبهر



                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو زيد: "نؤت بالعمل أي: نهضت". قال:


                                                                                                                                                                                                                                      3627 - إذا وجدنا خلفا بئس الخلف     عبدا إذا ما ناء بالحمل وقف



                                                                                                                                                                                                                                      وفسره الزمخشري بالإثقال. قال: "يقال: ناء به الحمل، حتى أثقله وأماله" وعليه ينطبق المعنى أي: لتثقل المفاتح العصبة.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن في الكلام قلبا، والأصل: لتنوء العصبة بالمفاتح، أي: [ ص: 694 ] لتنهض بها. قاله أبو عبيد، كقولهم: "عرضت الناقة على الحوض". وقد تقدم الكلام في القلب، وأن فيه ثلاثة مذاهب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ بديل بن ميسرة "لينوء" بالياء من تحت والتذكير; لأنه راعى المضاف المحذوف. إذ التقدير: حملها أو ثقلها. وقيل: الضمير في "مفاتحه" لقارون، فاكتسب المضاف من المضاف إليه التذكير كقولهم: "ذهبت أهل اليمامة" قاله الزمخشري. يعني كما اكتسب "أهل" التأنيث اكتسب هذا التذكير.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "إذ قال" فيه أوجه: أن يكون معمولا لتنوء. قاله الزمخشري: أو لـ "بغى" قاله ابن عطية. وردهما الشيخ: بأن المعنى ليس على التقييد بهذا الوقت. أو لـ "آتيناه" قاله أبو البقاء. ورده الشيخ: بأن الإيتاء لم يكن ذلك الوقت، أو لمحذوف فقدره أبو البقاء: بغى عليهم. وهذا ينبغي أن يرد [ ص: 695 ] بما رد به قول ابن عطية. وقدره الطبري: اذكر، وقدره الشيخ: أظهر الفرح وهو مناسب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ "الفارحين" حكاها عيسى الحجازي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية