الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (34) قوله : هو أفصح : الفصاحة لغة: الخلوص. ومنه فصح اللبن وأفصح فهو مفصح وفصيح أي: خلص من الرغوة. وروي قولهم:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 674 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3606 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وتحت الرغوة اللبن الفصيح



                                                                                                                                                                                                                                      ومنه فصح الرجل: جادت لغته. وأفصح: تكلم بالعربية. وقيل: بالعكس. وقيل: الفصيح الذي ينطق. والأعجم: الذي لا ينطق. وعن هذا استعير أفصح الصبح أي: بدا ضوءه. وأفصح النصراني: دنا فصحه بكسر الفاء وهو عيد لهم. وأما في اصطلاح أهل البيان فهي خلوص الكلمة من تنافر الحروف كقوله: "ترعى الهعخع". ومن الغرابة. كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3607 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ومرسنا مسرجا



                                                                                                                                                                                                                                      ومن مخالفة القياس اللغوي كقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 675 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3608 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . العلي الأجلل



                                                                                                                                                                                                                                      وخلوص الكلام من ضعف التأليف كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3609 - جزى ربه عني عدي بن حاتم      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      ومن تنافر الكلمات كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3610 - وقبر حرب بمكان قفر     وليس قرب قبر حرب قبر



                                                                                                                                                                                                                                      ومن التعقيد وهو: إما إخلال نظم الكلام فلا يدرى كيف يتوصل إلى معناه؟ كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3611 - وما مثله في الناس إلا مملكا     أبو أمه حي أبوه يقاربه



                                                                                                                                                                                                                                      وإما عدم انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني، الذي هو لازمه والمراد به، ظاهرا كقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 676 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3612 - سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا     وتسكب عيناي الدموع لتجمدا



                                                                                                                                                                                                                                      وخلوص المتكلم من النطق بجميع ذلك فصارت الفصاحة يوصف بها ثلاثة أشياء: الكلمة والكلام والمتكلم بخلاف البلاغة فإنه لا يوصف بها إلا الأخيران. وهذا له موضوع يوضح فيه، وإنما ذكرت لك ما ينبهك على أصله.

                                                                                                                                                                                                                                      و [قوله] : "لسانا" تمييز.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ردءا" منصوب على الحال. والردء: العون وهو فعل بمعنى مفعول كالدفء بمعنى المدفوء به. وردأته على عدوه أعنته عليه. وردأت الحائط: دعمته بخشبة كيلا يسقط. وقال النحاس: "يقال: "ردأته وأردأته".

                                                                                                                                                                                                                                      وقال سلامة بن جندل:


                                                                                                                                                                                                                                      3613 - وردئي كل أبيض مشرفي     شحيذ الحد أبيض ذي فلول



                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      3614 - ألم تر أن أصرم كان ردئي     وخير الناس في قل ومال



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 677 ] وقرأ نافع "ردا" بالنقل، وأبو جعفر كذلك إلا أنه لم ينونه كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف. ونافع ليس من قاعدته النقل في كلمة إلا هنا. وقيل: ليس فيه نقل وإنما هو من أردى على كذا. أي: زاد. قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3615 - وأسمر خطيا كأن كعوبه     نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر



                                                                                                                                                                                                                                      أي: زاد [وأنشده الجوهري: قد أربى، وهو بمعناه].

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "يصدقني" قرأ حمزة وعاصم بالرفع على الاستئناف أو الصفة لـ "ردءا" أو الحال من هاء "أرسله"، أو من الضمير في "ردءا". والباقون بالجزم جوابا للأمر. وزيد بن علي وأبي "يصدقوني" أي: فرعون وملؤه. قال ابن خالويه: "وهذا شاهد لمن جزم; لأنه لو كان رفعا لقال "يصدقونني" يعني بنونين".

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا سهو من ابن خالويه; لأنه متى اجتمعت نون الرفع مع نون الوقاية جازت أوجه، أحدها: الحذف، فهذا يجوز أن يكون مرفوعا، وحذف نونه لما ذكرت لك. وقد تقدم تحقيق هذا في الأنعام وغيرها. وحكاه الشيخ عن ابن خالويه ولم يعقبه بنكير.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية