الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (53) قوله : مرج البحرين : في مرج قولان، أحدهما: بمعنى: خلط ومرج، ومنه مرج الأمر أي: اختلط قاله ابن عرفة. وقيل: مرج: أجرى. وأمرج لغة فيه. قيل: مرج لغة الحجاز، وأمرج لغة نجد. وفي كلام بعض الفصحاء: "بحران أحدهما بالآخر ممروج، وماء العذب منهما بالأجاج ممروج".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج" هذه الجملة لا محل لها لأنها مستأنفة، جواب لسؤال مقدر. كأن قائلا قال: كيف مرجهما؟ فقيل: هذا عذب وهذا ملح. ويجوز على ضعف أن تكون حالية. والفرات المبالغ في الحلاوة. والتاء فيه أصلية لام الكلمة. ووزنه فعال، وبعض العرب يقف عليها هاء. وهذا كما تقدم لنا في التابوت. ويقال: سمي الماء الحلو فراتا; لأنه يفرت العطش أي: يشقه ويقطعه. والأجاج: المبالغ في الملوحة. وقيل: في الحرارة. وقيل: في المرارة، وهذا من أحسن المقابلة، وحيث قال تعالى عذب فرات وملح أجاج. وأنشدت لبعضهم:


                                                                                                                                                                                                                                      3487 - فلا والله لا أنفك أبكي إلى أن نلتقي شعثا عراتا     أألحى إن نزحت أجاج عيني
                                                                                                                                                                                                                                      على جدث حوى العذب الفراتا



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 491 ] ما أحسن ما كنى عن دمعه بالأجاج، وعن المبكي عليه بالعذب الفرات، وكان سبب إنشادي هذين البيتين أن بعضهم لحن قائلهما في قوله "عراتا": كيف يقف على تاء التأنيث المنونة بالألف؟ فقلت: إنها لغة مستفيضة يجعلون التاء كغيرها فيبدلون تنوينها بعد الفتح ألفا. حكوا عنهم. أكلت تمرتا، نحو: أكلت زيتا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ طلحة وقتيبة عن الكسائي "ملح" بفتح الميم وكسر اللام، وكذا في سورة فاطر، وهو مقصور من مالح، كقولهم: برد في بارد قال:


                                                                                                                                                                                                                                      3488 - وصليانا بردا      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      وماء مالح لغة شاذة. وقال أبو حاتم: "وهذه قراءة منكرة".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وحجرا محجورا": الظاهر عطفه على "برزخا". وقال الزمخشري: "فإن قلت: حجرا محجورا ما معناه؟ قلت: هي الكلمة التي يقولها المتعوذ، وقد فسرناها، وهي هنا واقعة على سبيل المجاز. كأن كل واحد من البحرين يقول لصاحبه: حجرا محجورا، وهي من أحسن الاستعارات"، فعلى ما قاله يكون منصوبا بقول مضمر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بينهما برزخا" يجوز أن يكون الظرف متعلقا بالجعل، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من "برزخا"، والأول أظهر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 492 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية