الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (59) قوله : الذي خلق السماوات : يجوز فيه على قراءة العامة في "الرحمن" بالرفع أوجه، أحدها: أن يكون مبتدأ و "الرحمن" خبره، وأن يكون خبر مبتدأ مقدر أي: هو الذي خلق، وأن يكون منصوبا بإضمار فعل، وأن يكون صفة للحي الذي لا يموت أو بدلا [677/ب] أو بيانا. وأما على قراءة زيد بن علي "الرحمن" بالجر فيتعين أن يكون "الذي خلق" صفة للحي فقط; لئلا يفصل بين النعت ومنعوته بأجنبي.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 493 ] قوله: "الرحمن" من قرأ بالرفع ففيه أوجه، أحدها: أنه خبر "الذي خلق" وقد تقدم. أو يكون خبر مبتدأ مضمر أي: هو الرحمن، أو يكون بدلا من الضمير في "استوى" أو يكون مبتدأ، وخبره الجملة من قوله "فاسأل به" على رأي الأخفش. كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3489 - وقائلة خولان فانكح فتاتهم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      أو يكون صفة للذي خلق، إذا قلنا: إنه مرفوع. وأما على قراءة زيد فيتعين أن يكون نعتا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "به" في الباء قولان: أحدهما: هي على بابها، وهي متعلقة بالسؤال. والمراد بالخبير الله تعالى، ويكون من التجريد، كقولك: لقيت به أسدا. والمعنى: فاسأل الله الخبير بالأشياء. قال الزمخشري: "أو فاسأل بسؤاله خبيرا، كقولك: رأيت به أسدا أي: برؤيته" انتهى. ويجوز أن تكون الباء صلة " خبيرا " و " خبيرا " مفعول "اسأل" على هذا، أو منصوب على الحال المؤكدة. واستضعفه أبو البقاء. قال "ويضعف أن يكون خبيرا حالا من فاعل "اسأل" لأن الخبير لا يسأل إلا على جهة التوكيد كقوله: "وهو الحق مصدقا" ثم قال: "ويجوز أن يكون حالا من "الرحمن" إذا رفعته بـ استوى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 494 ] والثاني: أن تكون الباء بمعنى "عن": إما مطلقا، وإما مع السؤال خاصة كهذه الآية الكريمة وكقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3490 - فإن تسألوني بالنساء. . . . . . . . . . . . .      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      البيت. والضمير في "عنه" لله تعالى و "خبيرا" من صفات الملك وهو جبريل عليه السلام. ويجوز على هذا - أعني كون "خبيرا" من صفات جبريل- أن تكون الباء على بابها، وهي متعلقة بـ "خبيرا" كما تقدم أي: فاسأل الخبراء به.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية