الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وليس على الحاج بعد فراغه من الرمي أيام منى إلا وداع البيت ، فيودع البيت ، ثم ينصرف إلى بلده ، والوداع الطواف بالبيت ويركع ركعتين بعده ، فإن لم يطف وانصرف فعليه دم لمساكين الحرم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا فرغ الحاج من رميه وأكمل جميع حجه ، فإن كان مكيا ، أو كان من غير أهل مكة ، فأراد المقام بمكة ، فليس عليه طواف الوداع : لأنه غير مفارق ولا مودع لا يختلف فيه المذهب ، فأما إذا أراد الرجوع إلى بلده فمن السنة المندوبة أن يودع البيت ، لرواية ابن عباس قال : كان الناس في الموسم ينصرفون في كل وجه بلا وداع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا حتى يكون آخر عهده بالبيت " ولأنه لما كان من سنة القادم أن يطوف بالبيت تحية وتسليما ، اقتضى أن يكون من سنة الخارج أن يطوف بالبيت تحية وتوديعا ، وإذا كان هذا ثانيا فمن سنة العائد إلى بلده بعد فراغ حجه أن يودع البيت بالطواف ، سواء كان بمكة أو بمنى : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع من النفر إلا بعد وداع البيت ونفر الحجيج من منى ، فدل على أن حال من هو بمكة ومنى سواء في وداع البيت ؛ لأنه من مسنونات الحج ، فإذا فرغ من جميع أشغاله بمكة ، ولم يبق له إلا المسير إلى بلده ، طاف بالبيت سبعا ، وصلى ركعتين في مقام إبراهيم ، فقد روي عن عبد الله أنه قال : إن الرجل إذا ودع البيت قام بين الباب والحجر ومد يده اليمنى إلى الباب ، واليسرى إلى الحجر ، وقال : اللهم أنا عبدك وابن عبدك حملتني دابتك وسيرتني في بلدك حتى أقدمتني حرمك وأمنك ، وقد رجوت بحسن ظني فيك أن تكون قد غفرت لي ، فإن كنت قد غفرت فازدد عني رضا وقدمني إليك زلفا ، وإن كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري ، فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير راغب عنك ، ولا عن بيتك ولا مستبدل بك ولا ببيتك ، واحفظني عن يميني وعن شمالي ، ومن أمامي ومن خلفي حتى تقدمني ، فإذا أقدمتني فلا يحل لي مني ، واكفني مؤنتي ومؤنة عيالي أو مؤنة خلقك أجمعين ، فأنت أولى بذلك مني " . ويستحب أن يقول ذلك وينصرف غير معرج على شيء حتى يخرج من مكة ، فإن أقام بعد وداعه متشاغلا بأمره أعاد الوداع إلا أن يكون ذلك عملا يسيرا ، كتوديع صديق أو جمع رجل فلا يعيد الوداع ، قال الشافعي في الإملاء : وإن أقيمت الصلاة بعد وداعه صلاها ، ولم يعد الوداع .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يلزمه إعادة الوداع إذا طال مقامه بعد طواف الوداع .

                                                                                                                                            ودليلنا هو أنه طواف للصدر والوداع ، فوجب إذا وجد قبل زمانه وزال عنه اسم موجبه أن لا يجزئه : لأنه لا يكون طواف صدر ولا وداع ؛ لوجوده قبل الصدر والوداع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية