الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والتلبية أن يقول " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " لأنها تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يضيق أن يزيد عليه وأختار أن يفرد تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقصر عنها ولا يجاوزها إلا أن يرى شيئا يعجبه فيقول : " لبيك إن العيش عيش الآخرة " فإنه لا يروى عنه من وجه يثبت أنه زاد غير هذا فإذا فرغ من التلبية صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله رضاه والجنة واستعاذ برحمته من النار فإنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما لفظ التلبية وصفتها ، وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فهو ما حكاه الشافعي ، وقد رواه ابن عمر ، وجابر ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن عباس ، وعائشة ، وأبو [ ص: 91 ] هريرة فبعضهم روى : " لبيك أن الحمد والنعمة لك " بفتح الألف من ( أن ) - على معنى - لأن الحمد والنعمة لك ، وبعضهم روى بكسر الألف على الابتداء والاستئناف ، ويختار أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يقصر عنها ، ولا يجاوزها ، لما روي أن سعد بن أبي وقاص سمع بعض بني أخيه يقول : لبيك يا ذا المعارج ، فقال سعد : إنه لذو المعارج ، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد روي عن الصحابة رضوان الله عليهم في التلبية زيادات ، فروى نافع أن ابن عمر كان يزيد فيها : لبيك لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، لبيك والرغبة إليك والعمل .

                                                                                                                                            وروى المسور بن مخرمة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه كان إذا بلغ إلى قوله : والملك لا شريك لك ، قال " لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك ذا النعماء والفضل الحسن . قال الشافعي : ولا ضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ، ولا غيره من تعظيم الله تعالى ودعائه مع التلبية ، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقصر عنه ولا يجاوزه ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التلبية التي ذكرنا زيادات . فروى الأعرج عن أبي هريرة قال : " كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم " لبيك إله الحق لبيك " وروى ابن سيرين عن أنس قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي لبيك حجا حقا تعبدا ورقا . فيستحب أن يفرد تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن زاد عليها ، زاد ما روي عن الصحابة ، لا يجاوزه ، وقد حكي عن بعض صلحاء السلف أنه كان يقول في التلبية : لبيك أنت مليك من ملك ما خاف عبد أملك . فهذا وإن كان حسنا ، فليس بمسنون عن الرسول ، ولا مأثور عن الصحابة ، فإن رأى شيئا يعجبه من أمور الدنيا ، قال في تلبيته : لبيك إن العيش عيش الآخرة . فقد رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف أهل اللغة في معنى قولهم : سعديك ، على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : معناه : أي معك أسعد بك .

                                                                                                                                            والثاني : أنه مأخوذ من المساعدة ، واختلف أيضا في لبيك وسعديك ، هل هو على معنى التلبية ، أو الإفراد ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها موحدة على هذا اللفظ ، وهو قول الخليل .

                                                                                                                                            والثاني : أنها على التثنية ، وليس لها واحد ، وهذا قول خلف الأحمر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية