الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والاستطاعة الرابعة : أن يكون غير مستطيع بماله وبدنه لفقره وزمانته لكن يجد من يبذل له الطاعة ، وينوب عنه في الحج فهذا في حكم من قبله في وجوب الحج عليه .

                                                                                                                                            قال مالك وأبو حنيفة : لا حج عليه تعلقا بقوله ، صلى الله عليه وسلم السبيل زاد وراحلة ولأنها عبادة على البدن ، فوجب أن لا تلزم ببذل طاعة الغير كالصلاة والصيام ، ولأن العبادة ضربان : منها ما يتعلق بالأبدان ، فيجب بالقدرة عليها بالبدن كالصلاة والصيام ، ومنها ما يتعلق بالأموال فيعتبر في وجوبها ملك المال كالزكاة فأما أن تجب عبادة ببذل الطاعة فغير موجود في الأصول ، ودليلنا ما ذكرناه من حديث الخثعمية ، ووجه الدلالة منه هو أنها بذلت الطاعة لأبيها وأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج عنه ، من غير أن جرى للمال ذكر ، على أن الفرض وجب ببذل الطاعة ، لأنه السبب المنقول ، وروى عمرو بن أوس عن أبي رزين أنه قال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حج [ ص: 10 ] عن أبيك واعتمر فأوجب عليه الحج والعمرة عن أبيه ، ولا يلزمه ذلك عن أبيه إلا ببذل الطاعة له ، فإن قيل : فيجوز أن يكون الأب موسرا فلزمه الفرض بيساره ، لا بابنه قيل الفرض باليسار ، لا يتوجه إلى الابن وإنما يتوجه إلى الأب ، وروى ابن سيرين عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي أسلمت وهي كبيرة لا تستمسك على الراحلة ، فأمره أن يحج عنها ، ولأن كل من لزمه الحج نذرا جاز أن يلزمه الحج فرضا كالمعضوب الموسر ، ولأنه قادر على فعل الحج عن نفسه فوجب أن يلزمه فرضه كالقادر عليه بنفسه ، فأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم السبيل زاد وراحلة فالمراد به من استطاع زادا وراحلة ، وهو بطاعة الغير له مستطيع ، وأما قياسهم على الصلاة فنقول بموجبه لأنهم قالوا فوجب أن يلزمه ببذل الطاعة ، ونحن نقول لا يلزمه بذل الطاعة ، وإنما يلزمه بالاستطاعة ، على أن المعنى فيه أنه مما لا تصح النيابة فيه ، وأما قولهم إن العبادات ضربان فباطل بزكاة الفطر ، لأنها من عبادات الأبدان ، ثم تجب على الغير ، وتبطل أيضا بالدية على العاقلة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية