الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن كان البلوغ والحرية بعد الوقوف بعرفة فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون زمان الوقوف فائتا .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون باقيا ، فإن كان زمان الوقوف فائتا لوجود البلوغ والحرية بعد طلوع الفجر من يوم النحر ، فيكون حجهما تطوعا ولا يجزئهما عن حجة الإسلام ؛ لوجود ما يتعلق به إدراك الحج ، وهو الوقوف قبل وجوب الحج ، فإن أمكنهما الحج في العام المقبل ، ووجدت شرائط الوجوب لزمهما فرض الحج ، وإن عدما شرائط الوجوب لم يلزمهما فرض الحج ولا دم عليهما في هذا الحج لا يختلف ؛ لأن حجة الإسلام لم تسقط عنهما ، فإن قيل : أليس لو أحرم الصبي بصلاة وقته ، ثم بلغ قبل السلام منها أجزأته عن فرضه ، وإن كان ما بقي منها أقلها فهلا [ ص: 246 ] كان بلوغ الصبي في الحج يسقط عنه الفرض ، وإن كان ما بقي بعد البلوغ أقل ؟ قيل : لأن الصبي لو بلغ بعد فعل الصلاة سقط عنه فرضها ، فكذلك إذا بلغ في الصلاة وقد بقي منها أقلها ، والصبي لو بلغ بعد فعل الحج لم يسقط عنه فرض الحج فاعتبر أن يفعل بعد البلوغ ما يقع به إدراك الحج ، وإن كان زمان الوقوف باقيا ؛ لوجود البلوغ والحرية ليلة النحر ، فلا يخلو حالها من أحد أمرين : إما أن يرجعا بعد البلوغ والحرية إلى عرفة أو لا يرجعا فإن رجعا إلى عرفة فوقفا بها قبل طلوع الفجر أجزأهما ذلك عن حجة الإسلام ، وسقط عنهما فرض الحج ، وهل عليهما دم أم لا ؟ على قولين : وإن لم يرجعا إلى عرفة حتى طلع الفجر ، فمذهب الشافعي أن حجهما يكون تطوعا ولا يجزئهما عن حجة الإسلام ؛ لوجود الوقوف قبل البلوغ والحرية في زمان يكمل فيه إدراك الحج .

                                                                                                                                            وقال أبو العباس بن سريج : قد سقط عنهما فرض الحج لوجود البلوغ والحرية في زمان الوقوف ، كما يسقط عنهما بوجوده قبل الوقوف ؛ لأن الوقوف بعد البلوغ والحرية يمكن ألا ترى أن البلوغ والحرية بعد الإحرام كالبلوغ والحرية قبل الإحرام ؛ لأن فعل الإحرام بعد البلوغ والحرية ممكن ، وهذا غير صحيح : لأن إدراك الحج وفواته يتعلق بفعل الوقوف دون زمان الوقوف : لأن من لم يقف بعرفة بعد إدراك الزمان كان كمن لم يقف لفوات الزمان ، وإذا كان لذلك كان وجود البلوغ والحرية بعد الوقوف في زمان الوقوف كوجوده بعد الوقوف وبعد زمان الوقوف ، فأما الإحرام فإنما يعد من فرضه عن حين البلوغ والحرية دون ما تقدم قبل البلوغ والحرية ، فعلى هذا لو بلغ قبل الوقوف بعرفة ، وكان قد سعى في بلوغه مع طواف القدوم فعلى مذهب الشافعي عليه إعادة السعي بعرفة ليكون السعي موجودا بعد بلوغه ، ولا يجزئه سعيه قبل بلوغه ، فإن لم يعد السعي كان تحلله صحيحا ، وكان فرض الحج عليه باقيا ، وعلى مذهب أبي العباس بن سريج : لا يلزمه إعادة السعي ، ويجزئه عن حجة الإسلام لقدرته عليه ، كما لا يلزمه إعادة الوقوف ويجزئه عن حجة الإسلام لقدرته عليه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية