الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما غير المعين فضربان : مطلق ، ومقيد .

                                                                                                                                            فأما المقيد فهو أن يقول : لله علي أن أهدي كذا ، فعليه أن يهدي ما سماه سواء جاز أضحية أم لا حتى لو سمى بيضة لم يلزمه غيرها ، فإن نوى هدي شيء من غير أن يتلفظ به لم يلزمه بخلاف المعين قولا واحدا .

                                                                                                                                            وأما المطلق فهو أن يقول لله علي أهدي هديا ويطلق من غير أن يعينه في شيء ولا يقيده لشيء ، ففيما يلزمه بهذا الإطلاق قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم ؛ قاله في كتاب " النذور " أنه يلزمه ما يجوز في الصدقة من النعم أو من غيره من قليل أو من كثير حتى لو أهدى بيضة أو تمرة أجزأه : لأن اسم الهدي ينطلق على النعم وغير النعم لغة وشرعا .

                                                                                                                                            أما اللغة : فلأن الهدي مأخوذ من الهدية ، والهدية لا تختص بالنعم دون غيرها ، وأما الشرع ؛ فلقوله تعالى : فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة [ المائدة : 95 ] ، وقد يجب في الجزاء ما لا يجوز أضحية وقد سماه الله تعالى هديا ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في التبكير إلى الجمعة : ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة .

                                                                                                                                            [ ص: 371 ] والقول الثاني : وهو قوله في الجديد ، وبه قال أبو حنيفة : إنه يلزمه من النعم ما يجوز أضحية وذلك الثني من الإبل والبقر والماعز والجزع من الضأن ، فإن أهدى ما لا يجوز أضحية لم يجزه ، لأن الاسم المطلق إذا كان له حقيقة في اللغة ومعهود في الشرع وجب حمله على معهود الشرع دون حقيقة اللغة كالصلاة والصيام ، ومعهود الشرع في الهدي ما يجوز من النعم في الأضاحي دون غيرها ؛ لقوله تعالى في المتعة والإحصار : فما استيسر من الهدي [ البقرة : 196 ] ثم كان إطلاق هذا الهدي يوجب إخراج ما يجوز أضحية من النعم فكذلك إطلاق الهدي من النذر ، فعلى هذا أقل الواجب عليه شاة : إما جذع من الضأن أو ثني من المعز ، فلو أخرج بقرة أو بدنة فهل يكون سبعها واجبا أو جميعها ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون جميعها واجبا : لأن الهدي ينطلق على البدنة كانطلاقه على الشاة ، فلم يكن تخييره بينها وبين ما هو أقل منها موجبا لإسقاط الإيجاب في بعضها كالكفارات ، فعلى هذا ليس له أن يأكل شيئا منها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الواجب سبعها دون ما بقي من ستة أسباعها ؛ لأن كل سبع منها قد أقيم مقام شاة فاقتضى أن يكون الواجب ما قابل الشاة منها وباقيها تطوع ، فعلى هذا يجوز أن يأكل من ستة أسباعها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية