الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما ما كان فوق الحمام فهو كالفتاح والقطاة والكركي والحبارى ، فهذا وأشباهه فوق الحمام ، وفيه قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 331 ] أحدهما : وبه قال في القديم : إن فيه شاة ؛ لأنها إذا وجبت في الحمام الذي هو أصغر منها فأولى أن يجب فيها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وبه قال في الجديد : إن فيه قيمته : لأنه وإن كان أكبر من الحمام ، وأكثر لحما منه ، فالحمام أشرف منه وأكثر ثمنا ؟ لما فيه من الإلف والهدير والصوت المستحسن والتذكير والتشويق إليه ، حتى ذكرت العرب ذلك في أشعارها ، فقال شاعر منهم :


                                                                                                                                            أحن إذا حمامة بطن وج تغنت فوق مرقبة حنينا

                                                                                                                                            وقال آخر :


                                                                                                                                            وقفت على الرسم المحيل فهاجني     بكاء حمامات على الرسم وقع

                                                                                                                                            قال الشافعي : والعرب تقول : الحمام ناس الطائر ، أي : يعقل عقل الناس ، فلما اختص الحمام بهذا ومايز ما سواه وجب أن يختص في الجزاء بوجوب الشاة مباينة لما سواه .

                                                                                                                                            وقال الشافعي - رحمه الله - : وكذلك الدجاج الحبشي فيه الجزاء : لأنه وإن تأنس فهو وحش الأصل ، كالغزال الذي قد يتأنس ، وإن كان وحشيا . قال الشافعي : وطائر الماء من صيد البر ، وهو مضمون بالجزاء : لأنه وإن رعى في الماء فالبر مأواه ، وفيه يفرخ ، فأما الإوز فما نهض منه طائرا بجناحه فهو صيد يضمن بالجزاء ، وما لم ينهض منه طائرا بجناحه فليس بصيد ، كالبط ، ولا جزاء فيه ، كما لا جزاء في الدجاج ، فأما الحمام الأهلي الذي يسمى الداعي ، وهو ما يكون في المنازل مستأنسا ، ففيه لأصحابنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه من جملة الحمام : لانطلاق الاسم عليه ، ففيه الجزاء .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وبه قال أبو علي بن أبي هريرة : لا جزاء فيه : لأنه ليس بصيد ، وإنما هو أنيس كالدجاج ، فإذا أراد أن يخرج قيمة ذلك على أحد القولين ، أو قيمة ما كان دون الحمام قولا واحدا ، فعليه قيمته وقت قتله ، ثم على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن عليه قيمته وقت قتله في الموضع الذي أصابه فيه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن عليه قيمته وقت قتله في مكة : لأنها محل الهدي دون الموضع الذي أصابه فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية