الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن نسي من اليوم الأول شيئا من الرمي رماه في اليوم الثاني ، وما نسيه في الثاني رماه في الثالث " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملة ذلك أن ما تركه من رمي أيام منى ثم ذكره من بعد ، لم يخل حاله فيه من أحد أمرين : إما أن تنقضي أيام منى أو لا تنقضي ، فإن انقضت أيام منى لم يقض رمي ما تركه لا يختلف ، ووجبت عليه الفدية سواء تركه عامدا أو ناسيا ؛ لأن المناسك المؤقتة لا تقضى بعد فوات أوقاتها كترك المبيت بمزدلفة ، وليالي منى لا تقضى بعد فواتها وإن لم ينقض أيام منى كأنه ترك اليوم الأول والثاني وهو بعد في اليوم الثالث فهل يقضي في اليوم الثالث ما ترك من رمي اليوم الأول والثاني : على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم والجديد ، وأحد قوليه في الإملاء : إنه يقضي في اليوم الثالث ما ترك من رمي اليوم الأول والثاني وتكون أيام منى كلها زمانا للرمي لا يفوت الرمي فيها إلا بخروج جميعها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الإبل وأهل سقاية العباس أن يدعوا رمي اليوم الأول ، ويقضوه في اليوم الثاني ، فعلم أن حكم جميعها واحد وأنها زمان للرمي ولأنه لما كان [ ص: 197 ] جميع أيام التشريق وقتا لنحر الأضاحي وجب أن يكون جميعها وقتا لرمي الجمار وهو القول الثاني ، وهو أحد قوليه في الإملاء لا يقضى ، ويكون لكل يوم حكم نفسه بفوات الرمي فيه بغروب الشمس منه .

                                                                                                                                            ووجه هذا القول أن الرمي في أيام منى مؤقت فلو كان جميعها وقتا لرمي الأيام كلها ، لجاز له في اليوم الأول أن يرمي عن جميع الأيام ؛ لأنه وقت لها ولما لم يكن اليوم الأول وقتا لرمي جميعها إجماعا ، لم يكن اليوم الأخير وقتا لرمي جميعها حجاجا ، وليس ترك ذلك عامدا أو ناسيا ، فأما يوم النحر إذا ترك الرمي فيه حتى دخلت أيام منى ، فإن قيل : إن لكل يوم من أيام منى حكم نفسه ، وأن ما ترك من الرمي فيه لا يقضيه في غده كان يوم النحر أولى أن يختص بحكم نفسه ولا يقضي ما ترك من رميه في غده ، ويكون وقته محددا بغروب الشمس فيه ، وإن قيل : إن أيام منى كلها زمان الرمي ، وأن ما ترك من الرمي منها قضاه فيما بقي منها ، وكان في رمي يوم النحر وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يقضي في أيام منى ويكون حكم الأيام الأربعة واحدا ؛ لأن حكم الرمي واحد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : إن رمى يوم النحر لا يقضي في أيام منى ، وإن استوى حكم أيام منى ؛ لأن حكم الرمي في يوم النحر مخالف لحكم الرمي في أيام منى في عدده ووقته وحكمه ، ورمي أيام منى متفق في عدده وحكمه ووقته ، فإذا قلنا : إنه يقضي ما ترك من الرمي في أيام التشريق فله ذلك إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق ، ويرتب على ما سنذكره إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية