الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 306 ] فصل : فإذا تقرر هذا فإن أكل المحرم صيدا لم يقتله المحل لأجله ولا بمعونته فقد أكل حلالا ولا شيء عليه ، وإن أكل المحرم من صيد قتله المحل لأجله أو بمعونته فقد أكل حراما ، وهل عليه جزاء ما أكل أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : عليه الجزاء وبه قال في القديم : لعموم قوله تعالى : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ، فدخل في ذلك قتله وأكله ، فلما كان في قتله الجزاء : لتحريم قتله عليه وجب أن يكون في أكله الجزاء : لتحريم أكله عليه ، فعلى هذا في كيفية الجزاء ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون ضامنا لمثله لحما من لحوم النعم يتصدق به على مساكين الحرم .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يكون ضامنا لمثله من النعم فيضمن من مثله بقدر ما أكل من لحمه ، فإن كان قد أكل عشر لحمه لزمه عشر مثله .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أن يكون ضامنا لقيمة ما أكل دراهم يتصدق بها إن شاء أو يصرفها في طعام يتصدق به إن شاء .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا جزاء عليه ، وبه قال في الجديد والإملاء : لأن ما قتله المحرم بنفسه أغلظ تحريما مما قتله المحل لأجله ، فلما لم يجب عليه الجزاء في أكل ما قتله بنفسه فأولى ألا يجب عليه الجزاء في أكل ما قتله لأجله .

                                                                                                                                            وتحرير ذلك قياسا أنه أكل لحم صيد محرم ، فوجب ألا يلزمه جزاؤه كما لو قتله محرم ولأن قتل الصيد أغلظ من أكله : لأن المحرم إذا قتل صيدا لزمه الجزاء بقتله ، ولم يلزمه الجزاء بأكله ، فلما ثبت أن قتل هذا الصيد لا يجب فيه جزاء : فأكله أولى ألا يجب فيه جزاء .

                                                                                                                                            وتحرير ذلك قياسا أنه صيد لم يضمن قتله بالجزاء ، فوجب ألا يضمن أكله بالجزاء أصله ، إذا أكله محرم ولم يصد له وهذا أصح القولين . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية