الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما صيد الحل إذا أدخل الحرم بعد صيده فحكمه حكم صيد الحل دون الحرم ، فيجوز إمساكه وذبحه ، ولا جزاء في قتله ، وقال أبو حنيفة : قد صار حكمه بدخول الحرم حكم الصيد الحرم ، فلا يجوز إمساكه ولا ذبحه ، والجزاء واجب على قاتله تعلقا بقوله تعالى : ومن دخله كان آمنا [ آل عمران : 97 ] ، فجعل الله تعالى أمان الداخل إليه كأمان القاطن فيه ، فوجب أن يستوي حكمهما ، وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ولا ينفر صيدها : ولأن كل ما كان مانعا من الاصطياد كان مانعا من قتل الصيد كالإحرام ، والدلالة عليه : أن صيد الحرم حرام كما أن صيد المدينة حرام ، فلما جاز إدخال الصيد إلى حرم المدينة وإمساكه فيه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : يا أبا عمير ما فعل النغير فأقره على إمساك الصيد في حرم المدينة ، وإن كان قد حرم صيد المدينة فكذلك يجوز إدخال الصيد إلى الحرم ، وإن لم يجز قتل صيد الحرم .

                                                                                                                                            وتحرير ذلك قياسا : أنه موضع حرم قتل صيده ، فوجب أن لا يحرم فيه قتل ما صيد في غيره كالمدينة : ولأن صيد الحرم لو صيد وأخرج إلى الحل لم يزل عنه حكم الحرم ، وكان على حاله الأولى في تحريم قتله ، وجب إذا صاد من الحل صيدا أو أدخله الحرم أن لا يزول عنه حكم الحل ويكون على حاله الأولى في إباحة قتله .

                                                                                                                                            وتحرير ذلك قياسا : أنه صيد أوجب إمساكه حكما فوجب ألا ينتقل عن حكمه بانتقاله عن موضعه قياسا على ما ذكرناه من صيد الحرم إذا أخرج إلى الحل : ولأن الله تعالى حظر صيد الحرم على أهل الحل والحرم ، وأباح صيد الحل لأهل الحل والحرم ، فلو منع من أن يذبح صيد الحل في الحرم ، لأنهم لا يقدرون على ذبحه في الحرم ، لأدى إلى حظر صيد الحل على أهل الحرم ، وإن ذبحوه في الحل راح وأنتن عند إدخاله الحرم فجاز لهم ذبح [ ص: 317 ] الصيد في الحرم ليستبيحوا ما أحل الله لهم ، وقد قال الشافعي : لم تكن لحوم الصيد تباع بمكة إلا بين الصفا والمروة ، فأما الجواب عن قوله تعالى : ومن دخله كان آمنا [ آل عمران : 97 ] ، فمن " وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن لفظة " من " لا تتناول ما لا يعقل .

                                                                                                                                            والثاني : أن قوله تعالى : ومن دخله والصيد لم يدخله وإنما أدخل إليه ، فأما قوله صلى الله عليه وسلم : لا ينفر صيدها لا يتناول ما أدخل إليها لأنه ليس من صيدها ، وأما قياسهم على الإحرام فمعناهما يختلف : لأن الله تعالى حرم قتل الصيد على المحرم ، وحرم قتل صيد الحرم ، وما أدخل الحرم مصيدا لم يكن من صيد الحرم ، فجاز قتله ، وما صيد قبل الإحرام ثم أحرم فهو قتل صيد من محرم ، فوجب أن يحرم قتله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية