الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وما عجز عنه الصبي من الطواف والسعي ، حمل وفعل ذلك به ، وجعل الحصى في يده ليرمي ، فإن عجز رمي عنه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملة ذلك أن الصبي لا يخلو حاله من أحد أمرين : إما أن يكون مراهقا مميزا يقدر على أفعال الحج ، أو يكون طفلا يعجز عن ذلك ، فإن كان مميزا مراهقا أذن [ ص: 209 ] له وليه في ذلك فإن أذن له فعل الحج بنفسه كغيره من البالغين ، وإن كان طفلا لا يميز فأفعال الحج على ثلاثة أضرب : ضرب يصح من الطفل من غير نيابة ، ولا معونة له ، وذلك الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى ، وضرب لا يصح منه إلا بنيابة الولي عنه وذلك الإحرام ، وضرب يصح منه لكن بمعونة الولي له وذلك الطواف والسعي ورمي الجمار ، وسنذكرها فعلا فعلا ونوضح حكم كل فعل منها .

                                                                                                                                            أما الإحرام فوليه ينوب عنه فيه فيحرم عنه .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا هل يجوز أن يكون الولي محرما أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يصح إحرام الولي عنه إلا أن يكون حلالا ، فإن كان محرما لم يصح إحرامه عنه ؛ لأن من كان في نسك لم يصح أن يفعله عن غيره ، وهذا مذهب البصريين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يصح إحرام الولي عنه ، وإن كان محرما : لأن الولي لا يتحمل الإحرام عنه ، فيصير به محرما حتى يمنع من فعله عنه إذا كان محرما ، وإنما يعقد الإحرام عن الصبي فيصير الصبي محرما فجاز أن يفعل ذلك الولي ، وإن كان محرما ، وهذا مذهب البغداديين وعلى اختلاف الوجهين يختلف كيفية إحرامه عنه فعلى مذهب البصريين يقول عند الإحرام اللهم إني قد أحرمت عن ابني ، وعلى هذا يجوز أن يكون غير مواجه للصبي بالإحرام ولا مشاهد له ، إذا كان الصبي حاضرا في الميقات ، وعلى مذهب البغداديين يقول عند الإحرام : اللهم إني قد أحرمت ببني وعلى هذا لا يصح أن يكون غير مواجه للصبي بالإحرام ، فإذا فعل ذلك صار الصبي محرما دون الولي فيليه ثوبين ، ويأخذه باجتياب منه ما منع المحرم ، وأما الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى ، فعلى وليه أن يحضره ليشهدها بنفسه ، وأما الرمي فإن أمكن وضع الحصاة في كفه ورميها في الجمرة من يده فعل ، وإن عجز الصبي عن ذلك أحضر الجمار ، ورمى الولي عنه ، وأما الطواف والسعي فعلى وليه أن يحمله فيطوف به ويسعى ، وعليه أن يتوضأ للطواف به ويوضئه ، فإن كانا غير متوضئين لم يجزه الطواف ، وإن كان الصبي متوضئا والولي محدثا لم يجزه أيضا ؛ لأن الطواف بمعونة الولي يصح ، والطواف لا يصح إلا بطهارة ، وإن كان متوضئا والصبي محدثا فعلى وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجزئ ؛ لأن الطواف بالصبي أخص منه بالولي فلما لم يجز أن يكون الولي محدثا فأولى أن لا يكون الصبي محدثا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يجزئ ؛ لأن الصبي إذا لم يكن مميزا بفعل الطهارة لا يصح منه ، فجاز أن تكون طهارة الولي نائبة عنه كما أنه لما لم يصح منه الإحرام صح إحرام الولي عنه ، ثم على وليه أن يصلي عنه ركعتي الطواف : لأن ذلك مخصوص : لجواز النيابة تبعا لأركان الحج ، فإن أركبه الولي دابة فكانت الدابة تطوف به لم يجز حتى يكون الولي معه سائقا أو [ ص: 210 ] قائدا : لأن الصبي غير مميز ولا قاصد ، والدابة لا تصح منها عبادة ، ثم هل على وليه أن يرمل عنه ؟ على قولين مضيا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية