الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا كان عادما للهدي ، إما لتعذره أو لإعساره ، فقد اختلف قول الشافعي ؛ هل له بدل أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا بدل له : لأن الله تعالى نص عليه ، ولم ينص على بدله ، فلو كان ذا بدل لنص عليه كما نص على غيره ، من دم المتعة ، والأداء وجزاء الصيد .

                                                                                                                                            والقول الثاني : له بدل ينقل إليه عند عدمه : لأن سائر الدماء الواجبة في الإحرام لها أبدال تنقل إليها مع الإعدام ، فكذلك دم الإحصار ، فإذا قلنا : ليس له بدل ، كان الدم في ذمته إلى وقت وجوده ، وهل له التحلل قبل وجوبه ونحره أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : ليس له ذلك : لقوله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله

                                                                                                                                            [ ص: 355 ] [ البقرة : 196 ] ، ولأنه قائم مقام الأفعال التي لا يتحلل قبلها ، فكذلك الهدي الذي هو بدل منها ، فعلى هذا يكون باقيا على إحرامه إلى أن يجد الهدي ، فيتحلل به .

                                                                                                                                            والقول الثاني : له أن يتحلل في الحال قبل وجود الهدي : لأن الهدي بدل من الأفعال ، والأفعال مبدلات من الهدي ، فلما جاز أن يتحلل من المبدل قبل فعله عند تعذره ، فأولى أن يتحلل من البدل قبل فعله عند تعذره ، فعلى هذا إن قلنا : إن الحلاق نسك يقع به الإحلال ؛ يتحلل به . وإن قلنا : إباحة بعد حظر ، نوى الإحلال ، فإذا نواه فقد حل ، وإذا قلنا : لهدي الإحصار بدل ، فلا يخلو حال المحصر من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون عادما للهدي بالإعسار ، أو عادما للهدي لتعذره مع القدرة على المال ، فإذا كان عادما للهدي بإعساره ، فبدله الصوم ، وفيه ثلاثة الأقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : صيام ثلاثة أيام ، مثل كفارة الأذى .

                                                                                                                                            والقول الثاني : صيام عشرة أيام كالمتمتع .

                                                                                                                                            والثالث : يقوم الهدي دراهم ، والدراهم طعاما ، ويصوم عن كل مد يوما ، مثل جزاء الصيد .

                                                                                                                                            وإن كان عادما للهدي لتعذره مع القدرة على المال ، فهل يكون المبدل الذي ينتقل إليه طعاما أو صياما ؟ على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : الصيام كالتمتع الذي ينتقل فيه عن الدم إلى الصيام ، وإن كان قادرا على الإطعام ، فعلى هذا في الصوم ثلاثة أقاويل - على ما مضت .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه ينتقل إلى الإطعام ؛ لأنه أقرب إلى نفع المساكين من الصيام ، فعلى هذا في كيفيته وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يقوم الهدي دراهم ، ويشتري بالدراهم طعاما كجزاء الصيد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه إطعام ثلاثة آصع ستة مساكين ، كل مسكين مدان ، كفدية الأذى . والوجه الثالث : في الأصل أنه مخير بين الإطعام والصيام ، كفدية الأذى ، وجزاء الصيد ، فعلى هذا إن عدل إلى الصيام ، ففيه ثلاثة أقاويل مضت ، وإن عدل إلى الإطعام ففي كيفيته وجهان مضيا ، ثم هل يجوز أن يتحلل قبل الصوم أو الإطعام أم يكون على إحرامه حتى يأتي بالصوم والإطعام ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون على إحرامه حتى يأتي به .

                                                                                                                                            والثاني : يجوز أن يتحلل قبل الإتيان به .

                                                                                                                                            [ ص: 356 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية