الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام فيقرأ في الأولى بأم القرآن ، وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية بأم القرآن ، وقل هو الله أحد .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : هذا إذا أكمل الطائف طوافه سبعا صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم ، يقول فيهما بما ذكره الشافعي لرواية جعفر بن محمد عن أبيه جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا ، وصلى عند المقام ركعتين وقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [ البقرة : 125 ] وقد علق الشافعي القول في هاتين الركعتين فخرجهما أصحابنا على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : إنهما واجبتان : لقوله تعالى : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [ البقرة : 125 ] ، يعني صلاة ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهما ، فعله إما أن يكون بيانا أو ابتداء شرع ، وأيهما كان دل على الوجوب .

                                                                                                                                            والقول الثاني : إنهما مستحبان : لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال هل علي غيرها قال : لا إلا أن تتطوع ، فجعل ما سوى الخمس تطوعا .

                                                                                                                                            وروى ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من طاف أسبوعا وصلى ركعتين كان له كعدل رقبة " وأخرجه مخرج الفضل ، وجعل له ثوابه محدودا فدل على أنه تطوع : لأن الواجب غير محدود الثواب .

                                                                                                                                            [ ص: 154 ] فإذا قلنا : إن ذلك مستحب فصلاهما جالسا مع القدرة على القيام أجزأ كسائر السنن والنوافل ، وإذا قلنا إن ذلك واجب فإن صلاهما جالسا مع العجز عن القيام أجزأه ، وإن كان مع القدرة على القيام فعلى وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجزئه لرواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ثم نزل فصلى خلف المقام ، فلو جاز فعلهما جالسا لأجزأه فعلهما راكبا ، فلما نزل وصلاهما على الأرض دل على أن فرضها القيام كسائر الصلوات الواجبات .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يجزئه : لأنهما من أحكام الطواف وتبعه ، فلما جاز أن يطوف راكبا ومحمولا مع القدرة على المشي ، جاز أن يصلي ركعتي الطواف قاعدا مع القدرة على القيام ، وسواء في ذلك طواف الحج والعمرة وطواف القدوم والزيارة والوداع ، كل ذلك مأمور به في كل طواف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية