الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثالث من الأقسام الأربعة وهو أن يعين له الإحرام بالقران فيحرم بغيره ، فعلى ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يستأجره ليقرن فيحرم بحجة مفردة ؛ فتكون الحجة واقعة عن المحجوج عنه وقد وفى أحد النسكين مفردا ؛ وهو الحج وبقي عليه النسك الثاني ؛ وهو العمرة ثم لا تخلو حاله من أحد أمرين : إما أن يأتي بالعمرة مفردة أو لا يأتي بها ، فله من الأجرة بقسط ما يحل من الحج ويرد من الأجرة بقسط ما بقي من العمرة فيقال : بكم يوجد من يحرم بالقران . فيقال : بعشرة دنانير ، ويقال : بكم يوجد من يحرم بحجة مفردة فيقال : بثمانية دنانير فيرجع عليه من الأجرة بخمسها ، وإن أتى بالعمرة مفردة سقطت عنه ، ثم ينظر فإن أحرم بها من الميقات فلا دم عليه وقد استحق جميع الأجرة : لأنه قد أتى بالنسكين من الميقات مع زيادة العمل في إفرادها ، وإن أحرم بها من أدنى الحل فقد وفى النسك الثاني أيضا ، لكن قد كان يجب عليه أن يحرم [ ص: 267 ] بها من الميقات فأحرم بها من أدنى الحل فيلزمه دم ؛ لترك الإحرام من الميقات ، وهل يرد من الأجرة بقسط ما بين الميقاتين ؟ على اختلاف أصحابنا .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يستأجره ليقرن فيحرم بعمرة مفردة ؛ فتكون العمرة واقعة عن المستأجر وقد وفى أحد النسكين مفردا وهو العمرة وبقي النسك الثاني وهو الحج فلا يخلو حاله من أحد أمرين : إما أن يأتي بالحج مفردا أو لا يأتي به ، فإن لم يأت به رد من الأجرة ما قابله على ما ذكرنا ، وإن أتى به سقط عنه النسكان ثم اعتبر موضع إحرامه بالحج على ما ذكرنا في العمرة من قبل .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يستأجره ليقرن فتمتع ؛ فقد وفى النسكين معا ؛ لأنه قد استؤجر على عملها قارنا فأفردهما فأجزأ : لأن الفرض يسقط بإفرادهما كما يسقط بقرانها إلا أنه استؤجر ليحرم بها من الميقات فأحرم بالعمرة من الميقات وبالحج من مكة فكان تاركا للإحرام بالحج من الميقات فلزمه دم لتركه ، وهل يرد من الأجرة بقدر ذلك ؟ على اختلاف أصحابنا ، ولزمه أخذ دم آخر لتمتعه ، فإن قيل فدم المتعة إنما وجب لترك الإحرام بالحج من الميقات وقد أوجبتم عليه لأجله دما ، فلما أوجبتم عليه دما ثانيا قيل هما وإن وجبا بترك الإحرام بالحج من الميقات فمعنى وجوبها مختلف : لأن أحدهما واجب بالعقد والآخر واجب بالشرع ، وإذا اختلف معناهما لن يمتنع وجوبهما ، فإذا ثبت وجوب الدمين فدم المجاوزة واجب على الأجير وفي دم المتعة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : على المستأجر بدلا من دم القران : لأنه قد أذن له في فعل النسكين على وجه يوجب دما وقد فعلها على وجه يوجب دما فكان الدم لازما له .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : إنه واجب على الأجير : لأنه واجب بالتمتع دون القران وهو لم يأذن له في التمتع فيكون ملتزما لموجبه وإنما أذن له في القران فعدل عنه إلى التمتع تطوعا به فوجب أن يلتزم الأجير موجب تطوعه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية