مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن لم يجد قومت البدنة دارهم بمكة ، والدراهم طعاما فإن لم يجد صام عن كل مد يوما " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، قد ذكرنا أن كفارة الواطئ في إحرامه المفسد له بوطئه " بدنة " ودليلنا عليه وإذا كان ذلك ثابتا ، فقد قال الشافعي فإن لم يجد المفسد بدنة " " فبقرة " فإن لم يجد فسبع من الغنم ، فإن لم يجد قوم " البدنة " دراهم بمكة والدراهم طعاما ، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما ، فجعل للبدنة مرتبة ، فبدأ بالبدنة وجعل البقرة بدلا من البدنة ، وجعل السبع من الغنم بدلا من البقرة ، وجعل الطعام بدلا من الغنم ، وجعل الصيام بدلا من الإطعام ، فلم يختلف مذهب أربعة أبدال الشافعي وسائر أصحابه أن البدنة والبقرة والغنم مقدم على الإطعام والصيام في الترتيب ، واختلف أصحابنا في على وجهين : البدنة والبقرة والغنم هل هي على الترتيب أو على التخيير
أحدهما : وهو منصوص في هذا الموضع أنها على الترتيب ، وبه قال ابن عمر فيبدأ ببدنة تجوز أضحية ، فإن لم يجد فبقرة تجوز أضحية ، فإن لم يجد فسبع من الغنم تجوز [ ص: 225 ] أضحية ، ولا تجزئه البقرة إلا عند عدم البدنة ، ولا تجزئه الغنم إلا عند عدم البقرة ، وإنما كان كذلك ؛ لأنه لما كانت كفارة الوطء كأغلظ كفارات الحج تقديرا ، وجب أن يكون كأغلظها ترتيبا .
والوجه الثاني : أنها على التخيير وبه قال ابن عباس ، فإن أخرج البقرة مع وجود البدنة أو أخرج الغنم مع وجود البقرة أجزأه ؛ لأن البدنة في الحج لا تجب إلا في قتل النعامة والإفساد ، فلما وجبت البدنة في جزاء النعامة على وجه التخيير اقتضى أن تجب في إفساد الحج على وجه التخيير .